سليمان جودة
كان قرار وزارة الداخلية، منذ ما قبل 25 يناير 2011، أن تأمين السفارتين الأمريكية والإنجليزية، فى منطقة جاردن سيتى، لن يُجدى معه توفير قوة الحماية العادية، أو حتى فوق العادية، من الأفراد والعربات، وإنما لابد من إغلاق الشوارع المؤدية إليهما كاملاً، وهو ما حدث منذ تلك الأيام، ولايزال جارياً، رغم أن أصحاب القرار فى الوزارة يعرفون جيداً أن الأمن، بمفهومه الحديث، له شكل مختلف بنسبة مائة فى المائة. ذلك أن هاتين السفارتين مستهدفتان فى أى بلد فى العالم، بالضبط مثل استهدافهما عندنا، ومع ذلك، ففى أكثر من دولة يتصادف أن تكون ماراً فى أحد الشوارع، وتكتشف أنك أمام السفارة الأمريكية مباشرة، وأن الشوارع المارة من أمامها تعمل بشكل طبيعى، وأن الأمن، بمفهومه الحديث مرة أخرى، قد تكفل بأن ترصد أجهزته أى شخص يفكر فى الاعتداء على السفارة، من مسافة بعيدة للغاية، وبالتالى ضبطه فى الحال، قبل أن يرتكب جريمته. وقد وصل الأمر إلى حد أن هناك أجهزة حديثة جداً تستخدمها المملكة السعودية فى المناطق المقدسة بشكل عام، وفى موسم الحج بشكل خاص، وهى كاميرات ترصد حالات الخروج على القانون، على مسافة 60 كيلومتراً! ومع ذلك كله، فإننا قد سلمنا بأن الداخلية ليس أمامها بديل آخر بالنسبة لهاتين السفارتين تحديداً، إلى أن تتوفر لنا إمكانات الأمن الحديث.
وحين سلمنا بهذا، اكتشفنا مع مرور الوقت، أن الحواجز التى تغلق الشوارع هناك، سواء كانت أحجاراً أسمنتية، أو سيارات متوقفة فى مكانها، كحائط صد، قد تحول المكان كله فيما حولها إلى مقلب قمامة كبير. وكان قد قيل لى عن الموضوع من أكثر من صديق، ولم أكن أصدق، حتى مررت من هناك، قبل يومين، فإذا بى أمام تلال من بقايا ومخلفات أفراد الأمن من الجنود، وإذا بى لا أكاد أصدق أن هذه البقعة، إنما هى فى حى جاردن سيتى الراقى، وحول سفارتين من أهم سفارات العالم فى العاصمة. ولابد أن كل من صدمه المنظر حين رآه، يتساءل بينه وبين نفسه عما إذا كان ذلك المشهد المنفر فى إجماله، لم يلفت نظر واحد من إخواننا الضباط المرابطين هناك، بحيث يطلب من عناصر الأمن من الجنود أن ينظفوا الرصيف حولهم، وأن يُلقوا مخلفاتهم من الأوراق وزجاجات الماء الفارغة والأكياس الممزقة وغيرها فى صندوق يجرى تخصيصه لهذا الغرض؟!
ماذا يقول أى دبلوماسى فى السفارتين، إذا ما وقعت عيناه على المنظر العام هناك، بكل قبحه، وماذا سوف يردد بينه وبين نفسه عنا؟! وبصرف النظر عما سوف يقوله هو، أو غيره، كيف نقبل هذا على أنفسنا، وقد كنا حين ذهبنا إلى الخدمة العسكرية زمان، نعرف أن الجندى يبدأ صباحه بتنظيف ثيابه وحذائه ومكانه، بنفسه، وبيديه؟! أين هذه المبادئ التى تعلمناها، وقتئذ، وكانت تبدأ بالالتزام، وتنتهى بالانضباط، وتجعل من النظافة العامة والخاصة عنواناً للمكان؟!
نقلاً عن "المصري اليوم"