سليمان جودة
عندما تقول المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، أمس الأول، إن بلادها تدعم المرحلة الانتقالية فى مصر، التى تمتد من ثورة 30 يونيو إلى انتخاب رئيس جديد للبلد، فهذا معناه أحد شيئين: إما أن هذه المتحدثة لا تعيش معنا فى عالمنا، وإما أنها تفترض أن الذين تخاطبهم بكلامها بلا عقول.
فالثابت حتى الآن، أن البيت الأبيض وقف ويقف ضد إرادة المصريين التى تجسدت فى الثورة على حكم الإخوان، والثابت أيضاً أن «أوباما» قد انتقل من التحالف مع الإخوان، وقت أن كانوا فى الحكم، إلى التعاطف معهم، بعد أن فقدوا السلطة بحماقات ارتكبوها.
وحين تأتى المتحدثة باسم وزارة خارجيته لتقول هذا الكلام المفرغ من أى معنى، فلابد أن تقول لنا، فى الوقت نفسه، ما هى دلائل هذا الدعم الذى تتكلم عنه؟!.. هل من بين دلائله، مثلاً، تجميد المساعدات العسكرية لمصر بعد الثورة؟!.. وإذا لم يكن إجراء كهذا يدل على أن الإدارة الأمريكية تقف ضد الإرادة المصرية، وتتعاطف مع جماعة أعلنت الحرب على الدولة المصرية، وعلى المصريين عموماً، منذ إسقاط حكمها، فما هو بالضبط الشىء الذى يدل عليه إجراء من هذا النوع؟!
طبعاً.. لا يمكن الفصل بين تصريحات المتحدثة إياها، وبين تصريحات وزيرها جون كيرى، عندما سارع إلى القاهرة، مساء يوم 3 نوفمبر الماضى، أى قبل محاكمة المعزول بساعات، ليقول هو الآخر كلاماً يفهم منه سامعوه أن الولايات المتحدة الأمريكية ربما تكون قد أدركت خطأ موقفها منا، وربما تكون راغبة فى إصلاح هذا الموقف.. وإلا ما كان «كيرى» قد قال يومها الكلام ذاته، الذى عادت المتحدثة باسم وزارته لتكرره على مسامعنا من جديد هذه الأيام.
غير أن شهراً تقريباً قد مر بين تصريحات الوزير وتصريحات المتحدثة باسم وزارته، وكان الأمل أن تدلل إدارة بلادهما على أن كلامهما جاد، وذلك بأن يكون له، ككلام، رصيد على الأرض، بحيث نصدقه، ونتعامل معه على أنه حقيقة، لا مجرد كلام حين نسمعه.. وهو ما لم يحدث! وربما يكون التفسير الأقرب للعقل، لهذا الكلام الصادر عن «كيرى» مرة، وعن المتحدثة باسم وزارته مرة أخرى، أنهم هناك قد اكتشفوا مع مرور الوقت، أن الثورة التى يتعامى عنها الإخوان، والمتعاطفون معهم، حقيقة ماثلة على الأرض، وليست كما تروج الجماعة الإخوانية، ولذلك تحاول الإدارة الأمريكية، من خلال وزير خارجيتها تارة، ومن خلال متحدثة وزارته تارة أخرى، تبييض وجهها، واسترجاع ما فاتها، فى اتجاه الوقوف مع إرادة المصريين التى تجلت فى أبدع ما يكون فى ذلك اليوم: 30 يونيو.
ولكن.. ما لا يريد الأمريكان أن يفهموه، أن الوجه الذى ظهر لنا منهم، بعد ثورتنا، وجه قبيح لأبعد حد، ولا تجدى معه أصباغ من نوعية تصريحات الوزير والمتحدثة، ولا رتوش من أى نوع، فالثورة قد تكفلت بأكبر عملية فرز رآها المصريون.
نقلاً عن "المصري اليوم"