سليمان جودة
ليس سراً أن الدكتور أحمد زويل، عندما توجه إلى دبى، بعد حصوله على جائزة نوبل عام 1999، كان يبحث هناك عن تمويل لمشروع مدينته الذى نسمع عنه منذ 14 سنة ولا نراه، ولكن يبدو أن الإخوة فى دبى كانوا أذكى منه، فتحفظوا على الموضوع كله بلطف، ولم يجد هو مفراً، والحال كذلك، إلا أن يتوجه إلى الدوحة، آملاً أن يصادف فيها ما لم يقع عليه فى دبى، إلا أن ذكاءه خانه للمرة الثانية، وتبين له أن أقصى ما يمكن أن يعود به من قطر، هو أن يكون عضواً فى مجلس أمناء مؤسستهم التعليمية الشهيرة، وهو ما كان.
استدار الرجل دورة كاملة، وعاد إلى مصر، وعرض على المصريين أن يتبرعوا للمدينة التى تحمل اسمه، وجمع مبالغ كبيرة للغاية، وهنا نريد أن نتوقف، وأن نسأل عن حجم المال المجموع لديه، وعما إذا كان عليه أن يخرج علينا ليكشف بوضوح عن إجمالى المبلغ الذى قيل عنه، فى وقت من الأوقات، إنه فاق المليار جنيه.
ولا أعتقد أن أحداً من الذين تبرعوا لمدينته، كان يتصور، وهو يتبرع، أن صاحب نوبل سوف يستخدم هذه التبرعات فى هدم مشروع قائم بالفعل، هو جامعة النيل، بدلاً من أن يستخدمها فى إقامة مشروعه الخاص، الذى لايزال، على كل حال، مشروعاً افتراضياً حتى هذه اللحظة، إذ لم يحدث شىء جديد على الأرض، سوى أن الرجل استولى على مبنى خاص بـ«النيل» ووضع عليه لافتة تشير إلى أن «مدينة زويل» موجودة هنا!
لذلك، أتخيل أن يكون التحرك الآن، من جانب المتبرعين لمشروعه، وأن ينتبهوا إلى أن تبرعاتهم، التى تجاوزت المليار، لم يوظفها الذى جمعها فى الغرض الذى جمعها من أجله، وأنه ركنها فى البنوك، ثم تفرغ للقضاء على الجامعة أولاً، ثم يكون بعد ذلك لكل حادث حديث.
ولو كنت واحداً من متبرعيه، لكنت قد تصرفت منذ هذه اللحظة فى أحد طريقين: إما أن يذهب «زويل» من أقصر طريق إلى إنشاء مدينته، فى مكان لا تكون بينه وبين أرض وممتلكات «النيل» أى علاقة، أو أن أسحب تبرعاتى، وأتوجه بها فى لحظتها إلى مشروع د. مجدى يعقوب فى أسوان! فالدكتور يعقوب أقام مستشفى لأمراض القلب، فى أقصى جنوب البلد، وهو مستشفى كان ولايزال مثار إعجاب كل الذين رأوه، وحين فكر الطبيب العالمى فى إقامته، لم يزاحم أحداً فى القاهرة، ولا نافس غيره على ما لا حق له فيه، لكنه ذهب إلى هناك، على نحو مباشر، وعكف على البناء، دون طنطنة إعلامية، فإذا بنا أمام صرح يدعو للفخر.
وهو، الآن، بصدد إقامة مركز دولى لأبحاث أمراض القلب، بالتعاون مع جامعات عالمية، ولابد أنه فى حاجة إلى تمويل، ولابد أيضاً أنه أولى الناس بالتبرعات التى ذهبت إلى «زويل» فعطلها، فلا هو أقام مدينته، حيث يجب أن تقام، ودون أن تكون على حساب كيان علمى آخر، ولا هو تركها للذين هم فى حاجة إليها!
نقلاً عن "المصري اليوم"