سليمان جودة
ربما لم يلاحظ أحد أن المنوفية، تحديداً، هى أكثر محافظات الجمهورية هدوءاً، وأن شغب الإخوان فيها قليل للغاية، وقد يكون منعدماً، وأنها، كمحافظة بين محافظات البلد السبع والعشرين، تبدو وكأنها خالية تماماً من أى إخوانى.
إننا نعرف جميعاً أنها كانت قد أعطت كل أصوات ناخبيها فى انتخابات الرئاسة للفريق شفيق، وأن المرشح الإخوانى المنافس خرج منها بصفر كبير، ولذلك لم يبالغ الذين أطلقوا عليها بلد المليون شفيق!
ومن غباء الإخوان، الذى يبدو أن الله تعالى قد كتبه عليهم، أنهم تعمدوا بعد فوز مرشحهم فى الرئاسة، إرسال محافظ ينتمى لـ«الجماعة» إليها، بما كان يدل وقتها، ثم بعدها، والآن أيضاً، على أن هؤلاء مجموعة من الهواة المبتدئين إذا ما تكلمنا فى أى شأن سياسى!
وعندما تقرر جماعة إخوانية غبية إرسال محافظ معروف للجميع بانتمائه إليها، إلى محافظة معروف عنها أنها لا تطيق الإخوان، فإن هذا فى حد ذاته دليل على أن أحفاد حسن البنا قد برعوا كما لم يبرع أحد من قبل، فى خسارة الناس، وفى كسب الأعداء والخصوم.
وحين كنت فى إحدى مدن المحافظة، مؤخراً، لاحظت أن هناك بيوتاً متفرقة ترفع صوراً للفريق أول عبدالفتاح السيسى، على أبوابها وجدرانها، فسألت، وتلقيت أغرب إجابة، يتلقاها أى سائل هناك، وهى أن هذه البيوت يملكها إخوان، وأنهم، وهذا هو وجه الغرابة، رفعوها متطوعين، ودون إرغام من أحد.
وقد كنت من جانبى، ولاأزال، أرفض تماماً أن يجبر أى شخص شخصاً آخر على اعتناق أى معتقد دينى، أو سياسى، أو غيرهما، وكنت عاجزاً، ولاأزال، عن فهم منطق هؤلاء الذين يرفعون ذلك الشعار السخيف، الذى يرفعه بعض الإخوان، فى مسيراتهم ومظاهراتهم الفاشلة، ثم لا يكتفون بذلك، وإنما يرسمونه على الحوائط دون حياء، ويرغمون بعض المارة فى الشوارع دون خجل، على رفعه بأياديهم!
وكان ظنى، ولايزال، أن تطوع بعض الإخوان فى بلد المليون شفيق، برفع صور السيسى، أكبر دليل على أن حكاية الحرب الأهلية التى يهددنا بها بعضهم، كلما طارد الأهالى إخوانياً هنا، أو هناك، مزحة ثقيلة، ومسألة لا يمكن أن يكون لها أصل فى مصر.
فأنت تتكلم عن حرب أهلية، أو عن احتمال وجودها، فى حالة واحدة هى أن يكون نصف الشعب ضد نصفه الآخر، ولكن، عندما يكون إجمالى ما حصل عليه «مرسى» فى جولة الرئاسة الأولى، 5 ملايين صوت، من بين 52 مليون صوت، فهذا معناه أنك تتكلم عن إخوانى هنا، وآخر هناك، وأنه حتى الخمسة ملايين ناخب، لم يكونوا كلهم إخواناً بالطبع، وأن نصفهم على الأقل كان من عاصرى الليمون!
تجربة المنوفية معهم، إذن، مؤشر مهم، على أن الإخوان، كجماعة، تخاف ولا تختشى، وأنهم على أرضها، فى وسط الدلتا، قد أحسوا بأنه لا خيار أمامهم، سوى احترام ما توافق عليه المصريون كلهم، أو غالبيتهم الكاسحة بمعنى أدق، فى 30 يونيو، التى أزاحت مجموعة من العجزة والفاشلين من الحكم، وأن بديل عدم احترام ما توافق عليه المصريون، تطوعاً، هو إجبارهم عليه.. بالقانون!
نقلاً عن "المصري اليوم"