سليمان جودة
فى وسط الأخبار العامة السيئة التى تأتيك من أكثر من اتجاه، خصوصاً من اتجاه جماعة إخوانية لا تعرف ديناً، ولا ملة، ولا ضميراً، تبقى بعض الأخبار التى تدعوك إلى التفاؤل، وتجعلك على يقين من أن مصر، هذا البلد الكبير، إنما هى أكبر من كل الصغائر التى تستهدفها، أو تحيط بها.
ولو أنت قرأت تفاصيل خبر تطوير 30 منطقة عشوائية، المنشور أمس الأول، لأحسست على الفور بمعنى ما أقوله.
فالخبر يقول إن الحكومة عهدت إلى الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة، بتطوير 17 منطقة فى القاهرة، و13 فى الجيزة، بتكلفة 350 مليون جنيه، خلال 12 شهراً من الآن.
ولن أكون مبالغاً إذا قلت إن هذه هى المرة الأولى التى رحت أقرأ فيها خبراً عن تطوير العشوائيات فى البلد، وأنا أشعر بجديته تماماً.
ولابد أن مبعث الشعور بالجدية هنا، ليس راجعاً فقط إلى أن العمل يبدأ هذه المرة وفق خطة لها أول ولها آخر، فنحن، والمال هكذا، نعرف بالضبط كم منطقة من هذا النوع سوف تخضع للتطوير، ونعرف مواقعها على الخريطة فى المحافظتين، ونعرف تكلفتها، ونعرف كذلك مداها الزمنى المنظور.
هذا كله، كما ترى، يجعلك على يقين من أن الموضوع جاد، ولكن هناك سبباً آخر للتفاؤل الذى أحدثك عنه، هو أن الجهة التى تتولى المهمة، هذه المرة، هى القوات المسلحة، بكل ما تملكه من رصيد ثقة لا ينفد، فى وجدان كل مصرى وطنى.
إن هذه الجزئية وحدها كفيلة بأن ترسخ فى أعماقك اطمئناناً إلى أن كل ما جاء فى الخبر سوف يكون حقيقة على الأرض بعد عام واحد من الآن.. ليس هذا فقط.. وإنما سيكون التنفيذ على درجة من الجودة نعرفها جميعاً، وجربناها من قبل فى أى مشروع قالت قواتنا المسلحة إنها سوف تنفذه.
من قبل، كانت حكومات متعاقبة تتعامل مع عشوائيات البلد بطريقة تقوم على المتاجرة السياسية بها فى الأساس.. وإلا.. فما معنى أننا كنا نفاجأ، مع مجىء كل انتخابات جديدة، بأن الحكومة قررت إدخال الخدمات إلى المنطقة العشوائية الفلانية، وإعفاء سكان المنطقة العلانية من مخالفات فى الكهرباء.. أو فى غيرها؟!
ما معنى خطوات كهذه، تكررت كثيراً، إلا أن حكومات عدة، مرت بنا، كانت تتطلع إلى أصوات الناخبين فى مثل هذه المناطق، ولا تراها، كمناطق، فى غير أيام الانتخابات، دون أن تنتبه إلى أن ما تفعله يزيد من بؤس سكانها ولا يخففه!
يبقى أن نقول إن ما تقرر بالنسبة للمناطق الثلاثين، لا يكفى، رغم أنه شىء جيد للغاية، فالأهم منه أن توضع خطة مماثلة لباقى المناطق، حتى نستطيع فى خلال أعوام من الآن، أن نحاصر وباء ينتشر على أطراف المدن اسمه العشوائيات.
ثم يبقى أيضاً، أن نجفف منابع عشوائياتنا، وأن نمنع نشأة الجديد منها، حتى لا نكتشف فى النهاية، وبعد الـ12 شهراً، أننا طورنا 30 منطقة، وأن 30 أخرى جديدة، أو حتى 40، قد نشأت فى مقابلها، فى أماكن متفرقة.
العشوائيات فى بلدنا، كإرهاب الإخوان فى حياتنا.. كلاهما مرض فى حاجة إلى مستويين متوازيين من التعامل معه: مستوى يواجهه فى لحظتنا، وآخر يجفف منابعه.
نقلاً عن "المصري اليوم"