سليمان جودة
لسنا فى حاجة إلى أن يؤكد لنا المستشار عدلى منصور، رئيس الجمهورية، كل فترة، كما فعل على الصفحة الأولى من «المصرى اليوم» صباح أمس، أنه زاهد فى منصبه، وأنه يرغب فى تركه بسرعة، فأداؤه فيه منذ أول لحظة يقطع بهذه القناعة عنده، وبأنها راسخة فى أعماقه.
وربما لم ينتبه هو نفسه إلى أن ضغط الملايين من أجل أن تكون انتخابات الرئاسة أولاً راجع فى أساسه إلى هذا الزهد لديه، وإلى أنه يتعامل مع المنصب منذ تولاه وكأنه جاء إليه ليحجزه للقادم من بعده، لا ليتصرف فى أثناء وجوده فيه كأنه باق لعشر سنوات على الأقل، حتى لو كان يعرف، ونعرف نحن أنه بالنسبة له منصب مؤقت تماماً.
الاحترام واجب بالطبع للرجل، فهذا هو اختياره وهذه هى رغبته، إلا أننا نتكلم عن منصب رئيس الجمهورية فى مصر بكل ما لمصر من حجم ووزن وثقل، مهما كانت الصعاب التى تعترض طريقها فى الوقت الحالى.
منصب كهذا فى دولة كهذه لا يحتمل أن يبقى خالياً، ولو ليوم واحد، ولا يحتمل البلد أن يتصرف الجالس فيه، أى فى المنصب، على أنه انتقالى، وأنه ذاهب إلى حال سبيله بعد شهور.. لا.. لا يمكن.. لا المنصب يحتمل، ولا البلد يتحمل.
وربما يكون علينا أن نذكر الآن سوء العواقب التى تداعت فوق رؤوسنا، عندما تعامل المشير طنطاوى مع منصبه كرئيس للمجلس العسكرى بالمنطق نفسه.. منطق أنه جاء ليبقى فترة محدودة ومحددة ثم يمضى إلى بيته!
كان على المشير وقتها ومنذ تولى المسؤولية فى البلاد ابتداء من يوم 11 فبراير 2011، عندما تخلى الرئيس مبارك عن الحكم إلى أن جرت انتخابات الرئاسة فى يونيو 2012- أن يحكم باعتباره الرئيس (المسؤول) حقاً.. ولعلك تلاحظ أنى وضعت كلمة المسؤول بين قوسين لننتبه جميعاً إلى أن شاغل هذا الموقع عليه واجبات، وعنده صلاحيات تجاه بلده، لابد أن يمارسها كاملة غير منقوصة، وأنه إذا لم يمارسها فإن آخرين يتقدمون على الفور ليمارسوها، بطريق غير مباشر، كما حدث أيام طنطاوى، ويحدث الآن!
هل يتصور أحد أنه كان فى إمكان أى شخص من الإخوان، أن «يهوب» ناحية الرئاسة لو كان «طنطاوى» قد نهض بما ألقاه «مبارك» على كتفيه من مسؤوليات كما ينبغى؟!
لقد قيل فى تونس فى مرحلة ما بعد زين العابدين بن على إن السلطة كانت ملقاة فى عرض الشارع تنادى الراغبين فيها، وهو وضع جرى شبيهه عندنا، وتعامل المشير معها كسلطة على أنها عبء يريد هو أن يتخلص منه بأى ثمن حتى لو كان الثمن هو ذهاب السلطة إلى الذين لا يدركون قيمتها، ولا حجمها، ولا مقتضياتها، فكان ما كان مما نعانى عواقبه إلى هذه اللحظة، ولذلك تبدو انتخابات الرئاسة أولوية لا تحتمل أى انتظار.
نقلاً عن "المصري اليوم"