سليمان جودة
فى يوم واحد، هو أمس الأول، طالع المصريون فى الصحف خبرين فى اتجاه واحد. كان الخبر الأول ينقل للناس ما قاله الدكتور حازم الببلاوى، رئيس مجلس الوزراء، صباح الخميس، حين صرح فى مؤتمر صحفى بأن الحكومة حريصة على حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وتحمى الحرية الشخصية للأفراد، وكان الخبر الثانى يقول إن هناك ضغوطاً تمارسها صحف غربية، خصوصاً فى واشنطن ولندن، من أجل ألا تعترف الحكومتان فى العاصمتين بشرعية الاستفتاء على الدستور، الذى سيجرى الثلاثاء والأربعاء المقبلين، إلا بعد إفراج السلطة فى القاهرة عن النشطاء السياسيين المحبوسين.
كلا الخبرين، كما ترى، يتكلم عن شىء واحد بل وحيد، هو اتهامات طالت ناشطاً سياسياً هنا، وآخر هناك من خلال تسجيلات مسربة، بالعمل ضد مصلحة هذا البلد والسعى إلى هدمه فوق رؤوس مواطنيه كلما كان ذلك ممكناً!
وقد كان المتوقع من الدكتور الببلاوى، ولانزال نتوقع، أن يتعامل مع المسألة بمسؤولية كاملة، وأن يحيل الملف كله إلى النائب العام، لنرى من خلال تحقيقات موضوعية ما إذا كان هؤلاء النشطاء أبرياء حقاً فنعتذر لكل واحد فيهم عندئذ على الملأ، أم أنهم مدانون فعلاً بهذه التهمة، وبالتالى يستحقون الشنق فى ميدان عام.
هذا هو ما يجب أن يتصرف به أى رئيس حكومة مسؤول فى مكانه.. ذلك أن كلامه عن احترام الحياة الخاصة، وحماية الحريات الشخصية للمواطنين من جانب الدولة أمر مفهوم وتحصيل حاصل، ليبقى بعد ذلك أن يقول لنا ما هو الحل إذا ما ثبت أن التهم الموجهة إليهم صحيحة، وهل فى حالة كهذه تبقى أى مساحة من أى نوع للكلام عن حياة خاصة، أو حريات شخصية تحت أى ظرف؟!
ثم إذا كنا نلاحظ هذا الضغط المثير للشك من جانب دوائر معينة فى أمريكا وفى الغرب عموماً، إزاء هذه القضية خصوصاً، فمتى نأخذها كضغوط على محمل الجد، ونسأل أنفسنا عن سببها، وعن دواعيها، وعن امتداداتها عندهم هناك؟!
فى يوم واحد مرة أخرى يتحدث رئيس حكومة ثورة 30 يونيو مع الذين يضغطون علينا فى أوروبا وأمريكا، لغة واحدة، ويحاول الطرفان لسبب لايزال مجهولاً التغطية على ملف لابد من فتحه على آخره، وبكل التفاصيل حتى لا يبقى برىء فيه مداناً، ولا يبقى مدان فيه كذلك حراً طليقاً.
لا نريد سوى تحقيقات نزيهة، ولا نرغب فى شىء سوى محاكمات عادلة، ولكن يبدو أن مثل هذا المطلب الذى لا يختلف عليه عاقلان لا يعجب الدكتور حازم، ولا يروق للذين يتعاملون مع المحبوسين من النشطاء وكأنهم معتقلون سياسيون، وليسوا متهمين فى قضايا جنائية. أشعر بأن الملف كله على بعضه مجرد رأس لجبل ثلج عائم، وراءه ما وراءه!
نقلاً عن "المصري اليوم"