سليمان جودة
أكتب هذه السطور، فى ساعة مبكرة من صباح الثلاثاء، وما أفترضه أنك قد سارعت، أمس، إلى صندوق الاستفتاء، وأبديت رأيك فى دستور بلدك الجديد، وإذا لم تكن قد فعلت، فأمامك اليوم بكامله، من التاسعة صباحاً إلى التاسعة مساء، لتقول بأعلى صوت للإخوان، وللذين يقفون وراء ضلالهم، إن هذا الوطن لأهله من المصريين الحقيقيين، لا المزيفين من أمثال أعضاء الجماعة الإرهابية.
وفى مثل هذه الساعة، من صباح غد «الخميس»، سوف تكون «الجماعة» المارقة قد تلقت أكبر ضربة فى تاريخها، ليس على يد الحكومة، ولا الشرطة، ولا حتى الجيش، وإنما على أيدى المصريين أنفسهم!
وإذا سألنى أحد: كيف؟! فسوف أقول بأن عليه مع غيره أن يتذكروا تلك اللحظات التعيسة التى مرر فيها الإخوان دستورهم المشؤوم فى عام 2012، وكيف أنهم لم يلتفتوا قليلاً ولا كثيراً، إلى انسحاب ممثل الأزهر من لجنة دستورهم، ولا إلى انسحاب ممثل الكنيسة، ولا إلى انسحاب ممثل الشباب، ولا ممثلى الأحزاب المدنية، وفى مقدمتها الوفد، ولم يكن عدم التفاتهم قد جاء عبثاً، ولا كان صدفة، وإنما كان عن قصد، لأن الهدف كان هو صياغة دستور يضع الجماعة فوق الدولة، ولهذا سقط!
اليوم.. أنت أمام دستور يضع المواطن، أياً كان، فوق الدولة، ولا يُقصى أو يبعد أحداً، اللهم إلا الذين اختاروا إقصاء أنفسهم، أو بمعنى أدق أقصاهم المصريون.
أنت اليوم، كما كنت بالأمس، أمام دستور يسترد لك بلدك من «جماعة» كان رئيسها الإخوانى قد قرر، وبدأ فعلاً، فى بيع الدولة بالقطاعى، فهو مرة يغازل «حماس» فى غزة بمساحة فى سيناء، وهو مرة أخرى لا يعنيه كثيراً، أن يفكر بالمنطق ذاته، فى الجنوب، وليس أدل على ذلك من أن دستورك الجديد قد نص للمرة الأولى فى تاريخ الدساتير المصرية، فى المادتين 1و 151 على أنه «لا يجوز لرئيس الدولة أن يتنازل عن شبر من مساحة مصر، لغيرها، ولا من حقه أن يضع توقيعه على معاهدة أو اتفاقية يكون من شأنها إقرار تنازل من هذا النوع».
هل كان يطوف بخاطر أى مصرى، ولو على سبيل الخيال، أن يتنازل عبدالناصر، أو السادات، أو مبارك عن ذرة رمل واحدة من أرض هذا الوطن؟!
كاد «مرسى» يفعلها بكل أسف، ولولا معجزة من السماء، تمثلت فى ثورة 30 يونيو، لكنت أنت كمواطن، بعد سنوات من حكم الإخوان - لا قدر الله - قد رحت تبحث عن شكل بلدك على خريطته، كما عشت تعرفها، وتحفظها، فتكتشف أنها تقلصت بيد حاكم يحمل هو وعشيرته جنسية هذه الأرض، مع كل أسف أيضاً!
فى مثل هذه الساعة، من صباح غد، سوف تكون بيدك قد طويت صفحة سوداء كتبها ناس كنا نتصور أنهم مصريون مخلصون، فإذا بهم، حين صار الأمر إليهم، أبعد ما يكونون عن إدراك معنى وطن، ومعنى أرض، ومعنى بلد.
عاشوا، منذ ثورة 30 يونيو، يصدعون رؤوسنا بدستور 2012 الإخوانى، وفى مثل هذه الساعة، من صباح الغد، سوف يكون المصريون قد شطبوه!
نقلاً عن "المصري اليوم"