سليمان جودة
سوف يأتى مؤرخو السياسة، فيما بعد، ليقولوا إن خروج المصريين فى الاستفتاء على دستور 2014 كان خروجاً غير مسبوق، منذ عرف البلد الاستفتاءات، وإن جماعة الإخوان لم يسبق لها أن تلقت ضربة فى تاريخها، على مدى ما يقرب من 90 سنة، منذ نشأتها عام 1928، كما تلقتها فى هذا الاستفتاء.
وإذا كان الأمر قد تم على تلك الصورة المشرفة التى تابعناها جميعاً، فإنه من المهم الآن أن نتكلم فيما بعد الاستفتاء، وأن نقول إن المصريين إذا كانوا كما يقول المثل الشعبى قد قدموا السبت فإنهم قطعاً فى انتظار الأحد من جانب الحكومة!
وفى أول رد فعل، فى هذا الاتجاه، قال وزير المالية الدكتور أحمد جلال على الصفحة الأولى من «المصرى اليوم»، أمس، إن الحكومة جاهزة لاستحقاقات الدستور عليها إزاء المواطنين، وإنها فيما يخص التعليم والصحة، مثلاً، كانت قد خططت منذ وقت مبكر لزيادة الإنفاق عليهما.
ولابد أن الدكتور جلال، وهو اقتصادى عتيد، يعرف تماماً أن الدستور الجديد يلزم الحكومة بأن تنفق 10٪ من إجمالى الناتج القومى على التعليم «60٪» وعلى الصحة «3٪» وعلى البحث العلمى «1٪»، وأن العبرة ليست أبداً بالإنفاق وحجمه، رغم ضخامة هذه المخصصات المالية للمجالات الثلاثة، وإنما بالطريقة التى سوف تنفقها بها كحكومة.. وإلا.. فسوف يحدث ما حدث وقت أن كان الدكتور يسرى الجمل، وزيراً للتربية والتعليم، حيث أعادت وزارته بعضاً من ميزانيتها إلى خزانة الدولة، لأنه فاض عن إنفاقها!
الإنفاق على التعليم، والدكتور جلال سيد العارفين، محتاج إلى رؤية تحكمه، بحيث يتم إنفاق كل قرش صاغ فى مكانه، وبحيث يتحدد مقدماً، من خلال هذه الرؤية، ماذا نريد بالضبط من تعليمنا، فيتجه إنفاقنا إلى تحقيق ما نريده، من أقصر طريق مباشر.
التعليم، فى النهاية، هو منهج، ومدرس، ومدرسة، ثم «غاية» نرغب فى أن نصل إليها، عبر هذه التركيبة الثلاثية، وعبر مستوى محدد يجب أن يتميز به كل عنصر من هذه العناصر الثلاثة ونحن نسعى فى طريقنا إلى غايتنا.
ومع ذلك، فإذا افترضنا أن هذا كله قد تمت مراعاته، فما نعرفه أن حصيلة تفكير من هذا النوع لن تكون متاحة فى حياتنا، ولن نراها متحققة، إلا بعد 16 عاماً من اليوم، لأن المفترض أن الطفل الذى سنبدأ به، فى أولى ابتدائى، هذا العام، سوف يتخرج مع زملائه، بعد 16 سنة، وسوف تكون دفعته هى أول حصيلة لتفكير، وأداء، وتحرك مختلف من جانبنا فى حقل التعليم بوجه عام.
ولذلك، فليس من المتوقع أن ينتظر الناس كل هذه السنوات، ليروا ما سوف يحققه الدستور الجديد لهم، ولأنهم لن ينتظروا ولن يحتملوا الانتظار، فلابد من خطوة موازية عاجلة، هى سعى الحكومة إلى خلق أى فرصة عمل فى أى اتجاه وبكل قوة عندها.
إن أى واحد منا لا يذهب إلى أى مكان إلا ويستوقفه الباحثون عن فرصة عمل، بأى أجر، وفى أى مجال، ولهذا فإن أفضل شىء.. نعم أفضل شىء على الإطلاق.. يمكن أن تقدمه الحكومة للناس، منذ اليوم، هى أن تجعل عاطليهم يشعرون بأن العثور على عمل صار أمراً ممكناً، بعد أن عز كثيراً، على مدى سنوات مضت، وسوف يكون هذا هو «الأحد» الذى جاء بعد السبت!
نقلاً عن "المصري اليوم"