سليمان جودة
أعجبنى أن يخاطب الرئيس عدلى منصور المصريين فى كلمته، مساء أمس الأول، فيقول: بنى وطنى!
إنها عبارة تدل على معنى محدد، وواضح، وجميل، وهو أن رئيس الدولة يستقر مع مواطنيه على أرض واحدة، وينتمون كلهم إلى وطن يعرف أبناءه ويعرفونه!.. ثم إن لها كعبارة وقعاً فى الأذن.
ولو أنت قارنت بين رئيس سابق كان يخاطب المواطنين فيقول: أهلى وعشيرتى.. وبين «منصور» وهو يردد عبارته هذه، فسوف ترى أين كان يقف رئيس لم يكن يرى فى البلد غير أهله وعشيرته، وبين رئيس يتطلع إلى 90 مليون مصرى، يراهم أمامه أبناء وطن.. لا أقل، ولا أكثر!
ولابد أن الذين انتظروا الكلمة، ثم جلسوا ينصتون إليها، قد لفت انتباههم أن رئيس مصر، وهو يخطب فيهم، يحترم اللغة العربية التى هى لغة القرآن الكريم، ويعرف قواعدها، ويلتزم بها، أكثر ربما مما فعل أى رئيس لنا من قبل.. فاللغة على لسانه صحيحة، وقوية، ومخارج الحروف عنده لا تجعل المعانى تختلط عليك، وليس من قبيل المبالغة فى شىء أن نقول إن احترام اللغة من جانب الحاكم، وهو يتكلم مع رعاياه، شىء يدعو إلى الثقة به، والاطمئنان إليه.
ولم أتوقف فى كلمة الرجل عند شىء.. أما أولها فهو كلامه عن أننا إذا كنا نبدأ اليوم بإقرار الدستور بالطريقة المشرفة التى تم إقراره بها سبيلاً صحيحاً، فهو سبيل صعب فى الوقت نفسه، لا لشىء إلا لأن التصويت على الدستور ليس غاية فى حد ذاته، ولا هو المنتهى، وينبغى ألا يكون، إنما هو نقطة البدء التى منها نمضى فى طريقنا الصحيح والصعب معاً.
وأما الشىء الثانى، فهو أنه تعمد، وهو يتحدث بإيجاز، أن يشير بشكل متوازن إلى آخر ثلاث ثورات فى تاريخنا: ثورة يوليو 1952، وثورة 25 يناير 2011، ثم ثورة 30 يونيو 2013.
وليس لهذا من معنى سوى أن الذين يروّجون عن قصد طوال أيام مضت أن هناك موقفاً من الدولة تجاه 25 يناير، لا يروجون سوى أكاذيب مقصودة، وإلا فهذا هو رأس الدولة التى يتهمونها، يقرن بين الثورتين، ويراهما جسداً واحداً لا ينفصل بعضه عن بعض.
الكلمة غنية بالمعانى، رغم قصرها، ولذلك أردت فقط أن ألفت الانتباه إلى أننا فى الفترة القصيرة التى تولى فيها منصور منصبه نجد أنفسنا أمام رئيس يزهد فى السلطة، ويتوجه إلى أبنائه فى الوطن من خلال لغة جديدة فى شكلها ومضمونها.
أعرف أن الملايين كانوا ينتظرون بعد إقرار الدستور سماع خبرين محددين، أولهما خاص بما إذا كانت الانتخابات الرئاسية أولاً أم لا.. وثانيهما يتصل ليس بما إذا كان الفريق أول عبدالفتاح السيسى سوف يرشح نفسه أم لا، ولكن بـ«متى» سوف يعلن ذلك عليهم، وقد كانوا فى انتظار أن يسمعوا الخبر الأول من «منصور»، لولا أنه أخذهم إلى آخر كلمته، ثم لم يشأ أن يشفى غليلهم، وإن كان قد فعل ذلك فى تقديرى، بشكل مختلف عندما راهن مشاهديه ومستمعيه على أن البقاء فى مصر لن يكون إلا للأصلح.
نقلاً عن "المصري اليوم"