سليمان جودة
جاء جمال عبدالناصر إلى الدنيا فى عام 1918، ورحل عنها فى عام 1970، ولو عاش إلى ثورة 25 يناير 2011، لكان فى الثالثة والتسعين من عمره.. والسؤال هو: ماذا لو جاءت 25 يناير، وهو على قيد الحياة، ثم وهو فى الحكم، وبأى طريقة كان عليه وقتها أن يتصرف؟!
وحتى لا يكون كلامنا نظرياً من أوله إلى آخره، ومن أجل أن يكون عملياً، وأقرب إلى واقعنا الذى نعيشه، فإن تجربة محمد السادس، ملك المغرب، يمكن جداً أن تكون مرشداً لنا فى الإجابة عن السؤال.
صحيح أن محمد السادس ليس من جيل عبدالناصر، وصحيح أنه حاكم شاب، ولكن الأصح من ذلك أنه ورث الحكم عن أبيه الحسن الثانى، وأن الحسن الثانى حكم بلاده منذ مطلع الستينيات، أى منذ زمن عبدالناصر، ثم واصل الحكم أيام السادات، وطوال سنوات مبارك إلى أن مات فى آخرها.
وعندما قامت «25 يناير» فى القاهرة كان محمد السادس فى الرباط يحكم بنفس سلطات أبيه المطلقة، وكادت أصداء «يناير» تصل إلى المغرب من تونس مرة ومن مصر مرة لولا أن الملك الشاب المغربى تصرف ربما كما لم يتصرف ملك من قبل، وأدرك بسرعة، وبحس مجرد منه، أو بإشارة ممن كانوا حوله أن أباه لو كان حياً لتدارك الأمر بسرعة أيضاً، ولكان قد أحنى رأسه قليلاً، أو حتى كثيراً، فى سبيل أن تمر عاصفة «الربيع العربى» بأقل خسائر ممكنة، أو دون خسائر إن كان ذلك ممكناً!
وفعلاً.. أصدر محمد السادس قراراً بتشكيل لجنة تكون مهمتها الأولى تعديل الدستور الذى ورثه عن أبيه، فلا تعود للابن تلك السلطات التى كانت للأب، ولا حتى نصفها:
وخرج الدستور الجديد ليقلص عدد الوظائف التى كان الملك يضع شاغليها فى أماكنهم بقرار منه من 1037 إلى 50 وظيفة، ثم ليفصل تماماً بين الدور السياسى للملك وبين الدور الدينى، بوصفه هناك أميراً للمؤمنين.. وأخيراً فإن الدستور الجديد قد راح يدعم بقوة دور البرلمان فى مساءلة الحكومة.
الذين عاشوا أجواء ما بعد 25 يناير فى المغرب، ثم لمسوا الروح الجديدة التى صدر بها دستورهم الجديد، عرفوا جيداً أنه كوثيقة دستورية عصرية قد نجح فى احتواء بدايات عاصفة كانت تتشكل فى سماء البلد!
وليس هناك شك فى أن الحسن لو كان قد عاش إلى أيام «يناير» لكان قد بادر من تلقاء نفسه بما بادر به ابنه متطوعاً، لأنه لم يكن هناك بديل آخر.
ولم يكن غريباً أن تخرج صحيفة «أخبار اليوم» بمانشيت غريب ومثير بعرض صفحتها الأولى، فى أعقاب إقرار دستور الملك الجديد.. كان المانشيت يقول: الملك يسقط النظام!
وكان الإيحاء فى المانشيت واضحاً، ففى كل مرة كانت الجماهير تهتف فى شوارع مدن وعواصم «الربيع» كانت تطالب بإسقاط النظام.. ولو أنصفت تلك الجماهير المندفعة لطالبت بإصلاح النظام، لا بإسقاطه، خاصة أنها لم تكن تملك بديلاً عن النظام التى تطلب إسقاطه، ثم تلح فى الطلب!
وبالإجمالى، فإن ما أريد أن أقوله إن الثورة أى ثورة، إنما هى أهداف ومبادئ، وليس أشخاصاً، وهذا ما يتعين علينا أن نعيه، ونحن نحتفل بعد غد بمرور ثلاث سنوات على 25 يناير، وهذا أيضاً ما كان عبدالناصر فى ظنى سوف يدركه، لو عاش يوماً من هذا النوع.
كان سيدرك كما أن علينا أن ندرك أن «الثورة» التى لا تسعى إلى أن تغير فى محتوى أسلوب التفكير، ولا تعمل على أن تبدل فى تكوين طريقة العمل لدى الذين يحكمون ليست ثورة من قريب ولا من بعيد، ولا يجوز أن تحمل هذا الاسم.. إنه الدرس الذى يجب أن نتمثله، وألا يغيب عن أعيننا لحظة، ونحن نتطلع إلى «25 يناير» فى ذكراها الثالثة.
نقلاً عن "المصري اليوم"