سليمان جودة
ربما نلاحظ جميعاً أن الدكتور زياد بهاء الدين، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير التعاون الدولى، قد ظل يلوِّح باستقالته طويلاً، دون أن يتقدم بها، إلى أن اختار أن يعلن عنها ويتقدم بها فعلاً، فى يوم محدد، هو أمس الأول!
وعندما تستعرض أنت ما جرى فى هذا اليوم المحدد الذى اختاره هو، وتكتشف أن الرئيس عدلى منصور قد أصدر قراراً فيه بترقية الفريق أول عبدالفتاح السيسى إلى رتبة المشير، يتبين لك، عندئذ، أن توقيت الأخ زياد مقصود تماماً، ومدروس بعناية، وأن الهدف منه هو التشويش خارجياً على قرار منح السيسى رتبة المشير، ثم، وهذا هو الأهم، التشويش على بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة!
وبالمناسبة، فإن على الذين يرددون أن بيان المجلس فوَّض المشير بالترشح للرئاسة، وأن هذا لا يجوز، لأنه يجعله، كمجلس، طرفاً فى العملية السياسية.. أقول إن على هؤلاء أن يراجعوا البيان جيداً، ليروا عندها أن كلمة تفويض وكل مشتقاتها اللغوية لم تظهر فى أى سطر من سطور البيان، وأن كل ما جاء فيه هو أن المجلس الأعلى يتطلع بالاحترام وبكل الإجلال إلى رغبة الجماهير المصرية فى ترشح المشير، وأن المجلس يترك هذه المسألة لضمير الرجل ومدى إحساسه بواجبه تجاه وطنه.. لا أكثر.. ولا أقل.. ولذلك، فالرجاء عدم تحميل بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة أكثر مما يحتمل، والرجاء كذلك عدم الترويج لأشياء لا أصل لها فى بيانه.
أعود إلى استقالة زياد بهاء الدين، لأقول إنه لا فرق بينها فى تقديرى وبين استقالة أستاذه البرادعى، من حيث التوقيت، ومن حيث الهدف، الذى يبدو خالياً من أى براءة، كما ترى، والذى يأتى بمثابة طعنة فى ظهر البلد، فى وقت دقيق، دون أن ننكر عليه بالطبع حقه فى الاستقالة، فما نتحدث عنه هنا هو التوقيت، ثم الهدف المرتبط به.
وحقيقة الأمر أن أحداً لا يعرف لماذا لم تتقرر إقالة زياد بهاء الدين منذ فترة، حتى لا يأتى هو ويستقيل، ويصطنع علينا بطولة زائفة كما فعل؟!
إن الدولة فى أعلى مستوياتها تعرف تمام المعرفة أن هناك رفضاً عاماً راح يتنامى يوماً بعد يوم لوجود هذا الرجل فى الحكومة، كما أن أداءه فى منصبه كان دائماً دون المستوى الذى يحقق آمال أى مصرى، وكان يبدو فى كل لحظة وكأنه ذراع المتخاذل البرادعى فى داخل حكومتنا، ولذلك فإعادته إلى بيته كانت واجبة، ومطلوبة بإلحاح، منذ الساعات الأولى لوجوده فى موقع لا يستحقه، ولا يملؤه، ولا يدرك مقتضيات تواجده فيه.
إن مقارنة سريعة بين أداء الهارب محمد البرادعى فى منصبه كنائب لرئيس الجمهورية، وبين أداء تلميذه بهاء الدين وغيرهما تجعل المرء يتساءل فى حزن، عن عدد هؤلاء الذين قد يكونون معنا بأجسادهم، بينما عقولهم وقلوبهم فى عواصم أخرى ليس أولها واشنطن، التى يتطلع بهاء الدين إلى منصب دولى فيها، بعد استقالته، ولا آخرها بروكسل التى يواصل البرادعى تآمره على بلده منها، منذ هرب، وتبين لنا أنه أقل من أن يتحمل أى مسؤولية!
ما فعله «زياد» يجعلنا نقول بأن أباه الكاتب الكبير الراحل قد مات مرتين: مرة يوم مات.. ومرة يوم خذل ابنه وطنه على الملأ!
نقلاً عن "المصري اليوم"