سليمان جودة
عاتبنى كثيرون على ما كتبته فى هذا المكان، صباح الأربعاء، عن الدكتور زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء، وزير التعاون الدولى السابق، ولم يكن قد أصبح «سابقاً» وقت أن كتبت، وإنما كان لايزال فى منصبه، وفى الوقت ذاته، فإن العتاب لم يكن على معنى ما كتبت عن الرجل، بقدر ما كان عن القسوة من جانبى فى التعبير عن المعنى!
ويشهد الله أن القسوة فى الكتابة عنه، لم تكن مقصودة، وإنما كانت على قدر الأمل الذى كنا نعلقه على كتفيه يوم أن رضى أن يكون نائباً لرئيس الحكومة، ووزيراً لحقيبة التعاون الدولى، فى حكومة جاءت إلى الوجود بعد ثورتين، وبالتالى، فإن الأداء المتوقع منه، بشكل خاص، ثم منها، بشكل عام، كان يجب أن يراعى أصحابه توقيت وجودهم، ثم توقيت وجود مثل هذه الحكومة فى مواقعها، وهذا كله لابد أن يؤسس بطبيعته لأداء من نوع خاص.
وعندما أشير إلى أدائه الذى كان مأمولاً منه هو، ثم أقول إنه أداء كان متوقعاً منه، بشكل خاص، ودون سواه، فإن ذلك يعود عندى إلى سببين:
أولهما أن «زياد» كان تقريباً هو أصغر وزراء الحكومة سناً، ولذلك، فوجوده فى منصبه، كان تمثيلاً لجيل أنتمى أنا إليه، وينتمى إليه غيرى ملايين، أكثر منه تواجداً فى منصب بهذا الحجم، ومن المؤكد أن الذين كانوا يرون أنه يمثلهم فى الحكم، كانوا يعلقون عليه آمالاً كبيرة، أو حتى صغيرة، وكانوا يتمنون أن ينجح فى مكانه بامتياز، وكانوا يرونه شاباً، وأن عليه، بالتالى، أن يتصرف وفق روح الشباب، ووفق أمله فى بلده، وطموحه فى وطنه. وأما السبب الثانى، فهو أن الذين تابعوا أداءه على كرسيه، لم يكن من الممكن أن يهربوا طول الوقت، من مقارنة قائمة بينه وبين والده أحمد بهاء الدين، لو كان فى نفس الموقع.
لقد كان الوالد كاتباً ذائع الصيت، وكان صاحب تأثير كبير بما كان يكتبه، ومما قيل عنه - مثلاً - أن بعض الذين أحاطوا بعبدالناصر، قد طلبوا إليه، ذات يوم، أن يعتقل أحمد بهاء الدين، بسبب آراء كان قد كتبها فى معارضة الحكم، وكم كان رد عبدالناصر عليهم غريباً، حين قال بأن أجهزته المعنية قد راقبت بهاء الدين طويلاً، وأنها تأكدت من أن ما يكتبه ليس إملاء من أحد خارج البلد، وليس لصالح أحد خارج الوطن، وأن الحكاية كلها إن «دماغه كده»!
هذا، بالضبط، ما كان فى ذهنى، عندما كتبت عنه ما كتبت، فقد كنت أتصور أن ينال من الناس إعجاباً كان طاغياً منهم بأبيه، وبأفكاره، يرحمه الله، لا أن أفتح الصحف كل صباح، فأجد أن إقالته تكاد تكون مطلباً عاماً!
لا أبالغ إذا قلت إنى أحسست فى اللحظة التى قرر فيها د. الببلاوى قبول استقالة «زياد» من المنصب، بأن الذى كان يمثلنا كجيل، هناك، أو هكذا كنا نفترض، قد غادرنا، وأنه بدد فرصة العمر!
نقلاً عن "المصري اليوم"