سليمان جودة
كنت قد كتبت فى هذا المكان قبل ثلاثة أشهر عن الكتابات البذيئة التى يشوه بها أتباع الإخوان جدران المبانى فى العاصمة، وكنت قد سمعت يومها من الدكتور جلال سعيد، محافظ القاهرة، أنه يقود بنفسه حملة لإزالة هذا القبح، أولاً بأول، وسمعت منه أيضاً أنه عازم على أن تكون القاهرة خلال أشهر معدودة على أصابع اليدين، مختلفة تماماً عنها الآن، أو بمعنى أدق عنها عندما تسلمها هو كمحافظ مسؤول.
واعتقادى أن الرجل جاد فيما يفعل، وفيما يقول، وقد دلل هو على جديته هذه عندما تصدى بشجاعة لهجمة من العشوائيين، والباعة الجائلين، كادت تغتال حى الزمالك، الذى يظل واحداً من أحياء قليلة فى القاهرة تجاهد من أجل الاحتفاظ ببعض بهائها القديم.
وقد جاء وقت على «الزمالك» كان فيه بديعاً، وجميلاً، وهادئاً، إلى الحد الذى قال عنه كاتبنا الراحل الكبير محمود السعدنى إن المصرى كان فى حاجة إلى جواز سفر ليدخله!
وليس خافياً على الدكتور جلال أنه إذا كان هناك حى فى عاصمته ينافس الزمالك، فهو حى المعادى، الذى يفضله أغلب الأجانب، إذا ما كان لهم أن يختاروا حياً نظيفاً يقيمون فيه.
ولابد أن الدكتور جلال يعرف، تماماً، أن المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية، كان قد اعتبر «المعادى» ضاحية ذات قيمة متميزة، وفقاً للقرار رقم 119، الصادر عن مجلس الوزراء عام 2008، وبموجبه فإن حى المعادى يخضع، بكل مبانيه، لأسس الحماية القصوى، وهى أسس بدورها تجعل أى مبنى يقام هناك لا يتجاوز الثلاثة أدوار بأى حال، وبارتفاع أقصاه 11 متراً!
إن مثل هذه المقاييس لم تنشأ من فراغ، ولكنها جاءت بعد دراسات طويلة، ومتأنية، لمتخصصين فى مجالها، وأيضاً لمسؤولى الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، الذى يرأسه الأستاذ سمير غريب، والذى أرجوه أن يقف، بكل ما عنده من قوة، ضد ما يتعرض له حى المعادى، منذ فترة، وإلى الآن!
وكانت جمعية محبى الأشجار قد خاطبت رئيس الحى، ولم تطلب منه سوى أن يطبق القانون، وأن ينقذ الحى الذى يرأسه من غول اسمه الأبراج ذات العشرين طابقاً، ومنها برجان يقومان حالياً، ويعرف رئيس الحى مكانهما جيداً، ولكنه لم يتحرك لوقف ارتفاعهما، ولا لإزالة الأدوار المخالفة منهما، رغم أنهما مخالفان لكل القوانين التى تحكم طبيعة الحى، وتعمل على الاحتفاظ بطبيعته، وتمنع، أو هكذا نفترض، القضاء على ما تبقى فيه من جمال هناك!
ليس أمامنا، والحال كذلك، إلا المحافظ الدكتور سعيد، فهذه هى مسؤوليته كما أن هذا هو وعده، الذى كان قد قال من خلاله إن القاهرة بعده سوف تكون غيرها قبله، ولذلك، فإذا كنت يا سيادة المحافظ، قد أسعفت الزمالك وهو جميل لا ينساه لك سكانها، فلا تخذل المعادى!
نقلاً عن "المصري اليوم"