سليمان جودة
أعود مرة أخرى إلى قصة الرجل الذى كان شديد الأدب، فسألوه: ممّن تعلمت الأدب؟!.. قال: من رجل قليل الأدب، كان كلما فعل هو شيئاً تجنبته أنا!
أذكر هذه القصة فى كل مرة أقرأ فيها شيئاً عن قانون الانتخابات الرئاسية، المطروح حالياً للنقاش العام، وعن اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، وعما يجب أن يكون عليه القانون، ثم عما ينبغى أن تكون عليه اللجنة!
فاللجنة كانت قائمة فى عام 2012، عندما جرت انتخابات الرئاسة فى منتصف ذلك العام، وكان القانون قائماً وقتها أيضاً، وفى الحالتين ليس مطلوباً للقانون، فى وقتنا الحالى، إلا أن يتجنب سلبيات 2012، وليس مطلوباً من اللجنة، فى لحظتنا هذه، شىء سوى أن تراجع عملها فى أثناء انتخابات الرئاسة الماضية، ثم تتفادى فى الانتخابات المقبلة كل ما كان موضع اعتراض واستنكار فى تجربة مضت.
فلا نزال جميعاً نذكر كيف أن حالة من الهرج، ومن الفوضى، قد صاحبت التقدم لانتخابات 2012، إلى الدرجة التى ظن البعض منا أنها كنت حالة مقصودة، وأن القصد من ورائها ممّن قصدوها أن يحطوا من شأن موقع الرئاسة ذاته، ومن الكرسى نفسه!
لقد كان فى مقدور أى شخص، وقتها، أن يذهب، ويسحب أوراق التقدم للمنصب، ثم يعود إلى بيته، وقد بدا فى وسائل الإعلام، وأمام معارفه، وأصدقائه، وأقربائه، أنه تقدم ليكون رئيساً للبلد، وكم كان محزناً أن يصل الأمر بجلال منصب الرئيس فى مصر إلى هذا الحد الهزلى، وإلى حد أن أى عابر سبيل - نعم أى عابر سبيل - كان فى مستطاعه أن يسجل نفسه فى قائمة الذين رأوا أنهم قادرون على حكم مصر!
إن طالب الثانوية العامة إذا تقدم لكلية الشرطة، أو لأى كلية عسكرية، فإن الأجهزة المعنية تتقصى تفاصيل حياته، وحياة والديه، وحياة جميع أقاربه، إلى سابع جد تقريباً، وتظل تفتش فى حياتهم جميعاً، بحثاً عن أى شائبة فى حياة أى واحد فيهم، ويعرف كثيرون أن طلاباً يجرى استبعادهم من القبول، لمجرد أن واحداً من أعمامهم كان قد تشاجر، ذات يوم، مع جار من جيرانه!
يحدث هذا على مستوى ضابط الشرطة، أو ضابط الجيش، فإذا ما تعلق الأمر برئيس الجمهورية، اكتشفنا أن اللجنة لاتزال مترددة، إلى اليوم، فى أن تمنع الشخص المدان فى جريمة مخلة بالشرف من الترشح!!
نريد الحد الأدنى من الاحترام لمنصب رفيع من هذا النوع، ونريد من اللجنة أن تتخيل، مقدماً وهى تستعد لبدء عملها، أن كل شخص يتقدم إلى هذا الموقع يظل رئيساً محتملاً، إلى أن يتم إعلان النتيجة، ونريد منها أن تتصور فى عقلها، وهى تتهيأ لأداء مهمتها، أننا نتكلم عن رئيس لمصر، وليس عن رئيس لأى دولة من الدول التى يجوز أن يحكمها أى شخص لا يجد شيئاً يفعله، فيقرر أن يشتغل رئيساً!!
المنصب ليس مجرد مكان، ولكنه فى الأصل مكانة، فاحفظوا له مكانته!
نقلاً عن "المصري اليوم"