سليمان جودة
ما سمعته هذا الأسبوع، فى القمة الحكومية التى انعقدت فى دبى، عن تجارب المسؤولين فى ثلاث مدن كبرى حول العالم سوف أضعه أمام قارئ هذه الصحيفة، أولاً، ثم أمام كل مسؤول يعنيه الأمر فى بلدنا، ثانياً، لعل ضميره يحركه، فنرى ذات يوم، على أرض هذا الوطن، مدينة من النوع الذى كانوا يتكلمون عنه هناك بفخر واعتزاز.
القمة كانت تبحث فى الطريقة الأفضل، التى تكون بها المدينة ذكية، ولابد أن ذكاء المدينة هنا يعنى عدة أشياء، ليس أولها أن تغرى هى كمدينة كل مواطن، من أجل أن يذهب ويعيش فيها، ولا آخرها أن تقدم له خدماتها المختلفة، كمدينة أيضاً، فى يسر وفى سهولة، بما يجعل منه مواطناً سعيداً فى النهاية.. فهذه هى الغاية المفترضة التى يجب أن تكون أمام عين كل مسؤول عن كل مدينة.
ومن الضرورى أن نلتفت هنا إلى أن الحديث يدور حول المدينة، بشكل عام، وليس عن العاصمة تحديداً، وبالتالى، فما نقوله يتعين أن تسعى إليه كل المدن فى بلدنا، من القاهرة إلى أسوان.. لا القاهرة وحدها.
سألوا نائب عمدة لندن، فى دبى، عن الطريقة التى تعمل بها مدينته، لتكون ذكية، فقال إن هناك أكثر من سبيل فى هذا الاتجاه، وربما يكون أهم هذه السبل، فى تقديره، هو الاهتمام بالنقل الجماعى فيها، بحيث يكون جاذباً لكل بنى آدم يعيش فى العاصمة الإنجليزية، ولن يكون مثل هذا النقل جاذباً، إلا إذا كان آدمياً، ومريحاً، وهو ما نجحوا فيه إلى حد كبير، ولم يكن هناك بديل آخر، اللهم إلا إعادة تخطيط المدينة عمرانياً، من جديد، وهذا طبعاً صعب للغاية.
ليس من الممكن أن يمتلك كل مواطن سيارة خاصة، ثم يمضى بها فى شوارع مدينته، وإذا كان هذا متاحاً لكل مواطن، فإن المدينة - أى مدينة - لن تحتمله بحكم طاقتها الطبيعية على الاستيعاب، ولذلك كان هذا الحل، من جانب عمدة لندن، وهو ما تحدث عنه نائبه فى القمة، ونصح به القائمين على مسؤولية أى مدينة فى العالم.
ولما جاء الدور على عمدة برشلونة الإسبانية، قال إن مدينته من أكبر المدن الاقتصادية فى أوروبا، وإنها تعمل على مدى 24 ساعة يومياً، لتكون مدينة المعرفة فى الدنيا، ابتكاراً، وإبداعاً، وخلقاً لكل جديد، فى كل ناحية، ولذلك، فليس غريباً أن يزورها فى العام من 6 إلى 7 ملايين سائح!.. تصوروا: مدينة فى إسبانيا تجلب من السياح، وحدها، ما يوازى تقريباً ما نجلبه نحن، رغم أن عندنا ثلث آثار العالم، ورغم أن مساحتنا مليون كيلومتر مربع، بشواطئ على بحرين من أكبر بحار الأرض!
أما نائب عمدة سول، عاصمة كوريا الجنوبية، فقال إن ذكاء مدينته يتجلى فى أكثر من ركن، ومنها، مثلاً، أنهم اخترعوا «النقل الليلى» الذى يعمل من الواحدة للخامسة صباحاً، حتى لا يكون التاكسى هو وسيلة النقل الوحيدة، وحتى لا يقع المواطن فريسة بين أيدى سائقه!
هذه هى المدن الثلاث، وهذه هى تجاربها لإسعاد أبنائها.. فماذا لدى مسؤولى المدن عندنا من القاهرة إلى الإسكندرية، ثم إلى أسوان إلى غيرها، من أجل إسعاد كل مصرى يعيش فيها؟!.. إن مسؤول المدينة الذى لا يجرى وراء هذا الهدف، فى كل وقت، لا يستحق مكانه.
نقلاً عن "المصري اليوم"