سليمان جودة
مر وقت طويل، كان الإنسان خلاله هو الكائن الوحيد على الأرض الذى يوصف بأنه ذكى، ويبدو أن هذا الوقت قد انقضى، وأننا صرنا إلى عصر تتنافس فيه أشياء كثيرة مع الإنسان فى ذكائه، ولا تجعل هذه الصفة مقصورة عليه، بل تكاد تتفوق عليه فيها! ففى أول يناير الماضى، كانت شركة «جوجل» قد أعلنت أنها على وشك اختراع عدسة لاصقة ذكية، يستطيع بها صاحبها أن يحدد مستوى السكر فى دموعه، وأن هذه العدسة، حين يكتب لها الله تعالى أن تكتمل، كفكرة مطبقة فى حياتنا، سوف تتيح للمصاب بهذا المرض أن يتحكم فى إصابته بمرض من هذا النوع، وأن يسيطر عليه.
ومما قاله المسؤولون عن الشركة أن شخصاً من بين كل عشرة أشخاص فى العالم، سوف يكون مصاباً بالسكر عام 2035، وأن ذلك هو ما يجعل الذين يعنيهم شأن الإنسان يسابقون الزمن، لتكون حياته أكثر راحة، وأقل صعوبة.
وفى الأسبوع الماضى كانت حكومة دبى تستضيف على أرضها ما أطلقت عليه «القمة الحكومية»، وهى قمة كان كل هدفها المعلن قبل انعقادها، أن يكون الإنسان أكثر سعادة فى بيته، وفى عمله، وأن تمتلئ حياته بخدمات «ذكية»، تؤديها إليه حكومته من خلال الاستغلال الأمثل لأدوات العصر. وحين تابعت من جانبى أعمال قمة دبى، تذكرت القرية الذكية عندنا، التى نشأت فى مدينة 6 أكتوبر أيام حكومة الدكتور أحمد نظيف، فيما قبل 25 يناير 2011، وكان الناس فى بلدنا يتندرون وقتها على اسمها ولا يعرفون كيف تكون هناك قرية ذكية، مثلاً، وأخرى غبية؟!
وربما يلاحظ كثيرون أن الحديث عن هذه القرية الذكية قد تراجع كثيراً ويكاد يكون قد اختفى بمجرد رحيل صاحبها عن الحكم، وكأنها كانت قريته، وليست قرية خاصة بكل مصرى من حيث الخدمات التى يمكن أن تقدمها لكل مواطن.
لا أعرف ماذا جرى لها بعد «نظيف»، ولا أعرف إلى أين انتهى حالها الآن، ولكن ما أعرفه أنها مشروع مصرى أولاً، وأخيراً، وأنها ليست ملكاً لأى رئيس حكومة، ولا لأى نظام حاكم، وأنها إذا لم يكن لها عائد يتفق مع اسمها فى حياة الملايين من المواطنين، فإنها لا تستحق هذا الاسم، وأنها ـ هذا هو حالها ـ تظل فى حاجة إلى إعادة تقديم لنا، من خلال لغة بسيطة تشرح للجميع فى سهولة ويسر أساس الفكرة من ورائها، ثم فائدتها التى انتظرناها فى حياتنا منذ نشأتها كقرية، ولم تصل الفائدة حتى اليوم، وقد آن لها أن تصل!
والغريب أننى عندما كنت فى دبى، قرأت أن أبوظبى تخطط لأن يكون معدل النمو فيها، ابتداء من هذا العام، وإلى 2019، 7٪ وهى النسبة نفسها التى كانت حكومة نظيف قد حققتها، لولا أن ملايين البؤساء فى البلد سمعوا عنها وقتها كنسبة عالية، ولم يشعروا بها فى حياتهم، على العكس تماماً فى دولة الإمارات عموماً، بما يعنى أن العبرة ليست بما تقوله الحكومة أبداً، ولكن تفعله، ثم بما تقدمه فى يد كل مواطن من خدمات آدمية، وبما تضعه فى جيبه من مال قادر على أن يتحقق به ويعيش!
نقلاً عن "المصري اليوم"