سليمان جودة
هذه سطور أكتبها قبل بدء محاكمة «مرسى» فى قضية «التخابر» صباح أمس، والغالب أنها ستكون جلسة إجراءات، لأنها الجلسة الأولى فى القضية، ولذلك فالأهم هنا هو أن ينتبه كل مصرى إلى أن هذه هى القضية الثالثة التى يقف فيها الرئيس الإخوانى السابق أمام المحكمة!
فمن قبل، وقف بتهمة التحريض على قتل المتظاهرين أمام قصر الاتحادية، ووقف أيضاً بتهمة الهروب من سجن وادى النطرون، أثناء أحداث 25 يناير 2011، على أيدى عناصر، كان قد استدعاها هو وجماعته، لتحطم السجون، وتُخرِّجه مع غيره من بعض رموز «الجماعة».. ثم لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، وقتها، وإنما أطلقوا علينا بامتداد البلد 23 ألف سجين هربوا جميعاً ضمن عملية كبرى كانت بدايتها فرار «مرسى» ورجال جماعته، وهى عملية تتضح أبعادها، وتتحدد أطرافها، وترتسم أمامنا حقيقة أهدافها، يوماً بعد يوم!
ولو أن أحداً سأل عن أى القضايا الثلاث أخطر، فسوف يكون فى تقديرى أنها قضية الأمس، لأنه لا مجال للمقارنة بين مسألة التحريض على قتل متظاهرين أو عملية الفرار من السجن وبين سلوك رجل كان فى قصر الحكم، وكان، فى الوقت ذاته، أقل من المسؤولية التى وضعها منتخبوه على كاهله تجاه بلده، فخذلهم بكل أسف!
فى القضية الأولى، نتحدث عن قتل متظاهرين معدودين على أصابع اليدين، فإذا ما قارنت أنت بين متظاهرين سقطوا، لأن رئيس الدولة حرض على قتلهم، أو أنه متهم بذلك على الأقل، حتى الآن، وبين بلد بكامله كان كيانه كله فى مرمى الخطر، فى قضية التخابر، فإن لنا أن نوازن أيهما - إذن - كان الأخطر، عموماً، علينا: التحريض على قتل المتظاهرين، مع التقدير الواجب طبعاً لحياة كل واحد فيهم، أم السعى إلى قتل وطن من أوله إلى آخره كانت «الجماعة» ورئيسها وقادتها لا يقيمون له، كوطن، حساباً ولا اعتباراً، إلا بوصفه مجرد ولاية ضمن ولايات عدة تقوم عليها ومن خلالها خلافة إسلامية موهومة، ولا وجود لها فى عصرنا إلا فى عقل «مرسى» وسائر عقول أفراد جماعته المريضة!
فإذا ما قارنت أنت، من جديد، بين قضية وادى النطرون وبين قضية الأمس، هان كل شىء فى النطرون أو فى غيره أمام التآمر على وطن بكل حدوده، وأرضه، وشعبه!
فما هى القصة التى يجب أن نعيها؟!.. القصة أنه يمكن التماس العذر لمرسى وجماعته.. أقول يمكن.. التماس العذر فى حكاية قتل المتظاهرين التى يمكن النظر إليها، بمعنى من المعانى، بوصفها قضية عادية لأن «مبارك» نفسه متهم فى قضية مشابهة، وإن كانت طبيعة الاتهام مختلفة، كما يعرف جيداً أهل القانون.. ثم إن القصة التى يتعين أن نعيها أيضاً أن عملية الهروب من «النطرون» عادية بدورها، لأنه ما أكثر المتهمين حول العالم الذين فروا من سجونهم، ثم أعادوهم من جديد إليها، لتبقى «التخابر» فريدة من نوعها حقاً، ولتبقى هى الأخطر بلا منافس، لأنك فيها أمام رجل لم يكن أميناً بالمرة على بلده، لا هو ولا جماعته، ولهذا فإنه لم يكن فقط لا يصلح للحكم، وإنما لم يكن يصلح لأن يستمر فيه أساساً، فاستمراره كان يخصم من رصيد البلد فى الحياة فى كل صباح.
نقلاً عن "المصري اليوم"