سليمان جودة
أخشى أن يكون تأييد أسرة الرئيس الراحل عبدالناصر للمشير السيسى فى سباق الرئاسة راجعاً إلى اعتقاد الأسرة بأن المشير سوف يعيد إحياء عبدالناصر من جديد، وليس إلى أن الرجل سوف يكون صاحب تجربة مختلفة، إذا فاز، وسوف يكون عليه أن يأخذ الصالح فقط، من كل ما سبق، ليبنى عليه، وأن يستبعد ما عداه استبعاداً تاماً!
طاف هذا الخاطر فى ذهنى، حين قرأت مقالة الدكتورة هدى عبدالناصر فى «المصرى اليوم»، صباح أمس، ورأيت كيف أنها راحت تقارن فيها بين موقف القطاع الخاص من ثورة يوليو 1952، ثم موقفه من ثورة 30 يونيو 2013.
تقديرها أن هذا القطاع قد خذل عبدالناصر فى زمنه، ولم يتعاون معه فى تنفيذ خطة الدولة لصالح الفقراء، وأن عليه هذه الأيام، أن يصحح خطأه القديم، فيتعاون مع نظام «30 يونيو» وينأى عن الاحتكار، أو الإفساد، أو السيطرة على الحكم!
وحقيقة الأمر، أننى تمنيت لو قرأت مقالاً مختلفاً للدكتورة هدى، لسببين، أولهما أنها ابنة عبدالناصر، وثانيهما أنها أستاذة جامعية درست الاقتصاد والعلوم السياسية فى أيام الصبا، وتقوم بتدريسها الآن لأبنائها من الطلاب!
والمقال الذى تمنيته منها ولم أجده، هو مقال ممتلئ بالمراجعة الموضوعية لتجربة الوالد فى الحكم، لا مقال تبرير ما كان، كما جاء فى مقال الأمس!
وأظن أنه لا خلاف تقريباً على أن عبدالناصر كان، ولايزال، رمزاً وطنياً رفيعاً، وأنه قاد تجربة من التحرر فى أفريقيا، وفى العالم، يندر أن يكون لها مثيل، وأنه كان صاحب حلم كبير فى وحدة تقوم، ثم تدوم بين العرب، لولا أن أدواته لم تسعفه.. هذا أمر لا أظن أن عقلاء يختلفون فيه. غير أن هذا كله شىء، وتجربته فى الحكم داخل بلده، شىء آخر، إذ يكفى أنه قضى على القطاع الخاص قضاءً لانزال نعانى من عواقبه حتى هذه اللحظة، ويكفى أنه أحل مكانه قطاعاً عاماً، يمثل فى لحظتنا الراهنة عبئاً فادحاً على الدولة، وهو عبء وصل إلى حد أن عمال هذا القطاع تظاهروا فى أحيان كثيرة، لصرف أرباح فى شركات خاسرة، ولم تجد الحكومات، فى أكثر من موقف، مفراً من صرف أرباح لعمال لا يعملون، ولا تربح شركاتهم ولا يحزنون!
وعندما قال المشير السيسى، فى كلمته إلى المصريين، يوم استقالته من منصب وزير الدفاع، إن جهاز الدولة المترهل بصورته الحالية، لا يمكن أن يستمر على حاله، فإنه كان بشكل غير مباشر، يشير إلى مجرد جزء من حصيلة تجربة ثورة يوليو بوجه عام، وتجربة عبدالناصر بوجه خاص.
إن فى ألمانيا عدداً من السكان يكاد يماثل عددنا، ولكن 750 ألف موظف هم فقط الذين يعملون فى جهاز الدولة هناك، فى مقابل 6 ملايين موظف يعملون عندنا، مع فارق هائل فى العائد بين هنا وهناك، بما يعنى أنك فى غنى كامل عن 5 ملايين موظف جاءوا إلى وظائفهم على أساس قواعد وضعها عبدالناصر، ولكنك، كحكومة الآن، لا تدرى ماذا عليك أن تفعل بهم؟!
القطاع الخاص يا دكتورة هدى، ليس كله إفساداً، أو احتكاراً، أو سيطرة على الحكم، وقد كنا ننتظر منك كلاماً آخر، معناه أن التعامل مع هذا القطاع أيام والدك كان يقتضى قانوناً يخضع له الجميع، لا أن يتم تجريد الجميع من ثرواتهم، وطرد المستثمرين الأجانب، ومطاردة المستثمرين الوطنيين لنجد أنفسنا فى النهاية، فى حاجة إلى جهد شاق من أجل إقناعهم فى عصرنا هذا، بأنهم يمكن أن يعملوا فى بلدنا، وأن يوفروا فرصاً للعمل، وأن يربحوا ربحاً مشروعاً، وأن يأمنوا على النفس والمال من المصادرات، والحراسات، ولجان الإقطاع!
د. هدى: ننتظر منك كلاماً يراجع تجربة عبدالناصر على نحو أمين مع النفس، وصادق مع الناس، لا أن يبرر ما قام به الوالد، فى عصره، تجاه قطاع لم يبرأ إلى الوقت الحالى مما تلقاه من ضربات فى حينه!
ثم إننا ننتظر منك أيضاً أن تكونى، مع غيرك، على إدراك كامل بأن 25 يناير 2011 حين قامت، فإنها قامت على إخفاق «يوليو 52» أكثر مما قامت على نظام حكم مبارك، وبالتالى فالإصرار على أن يكون المشير هو عبدالناصر طبعة 2014، ليس إلا رغبة غير مفهومة بالمرة فى إعادة إنتاج ما كان، وكأن ما جرى، مما كان، لا يكفينا، أو كأننا معصوبو الأعين لا نرى!