سليمان جودة
ما أفهمه أن الجامعات ليست سوقاً شعبية يتجول فيها أى عابر سبيل، وما يفهمه أى عاقل أنه ليس من حق أى شخص أن يتواجد داخل الجامعة، إلا أن يكون هذا الشخص عضواً فى هيئة تدريس الجامعة ذاتها، أو طالباً فيها، أو موظفاً، أو زائراً دخلها بتصريح رسمى خاص.
إذن، فنقطة البداية هى أن نتحكم، بشكل صحيح، فى أبواب الجامعة، ومداخلها، وألا يتسلل إليها أى بنى آدم، بخلاف هذه الفئات الأربع، وهى مسألة يمكن تحقيقها من خلال أفراد أمن مدربين، على كل باب، بحيث يتمكن كل واحد فيهم من التحقق من شخصية الداخل بسهولة، وبسرعة.
هذا عن الأفراد، ليبقى بعد ذلك ما يمكن أن يخفيه أى واحد فيهم، بلا ضمير، فى طيات ثيابه، أو تحت مقاعد سيارته، وهو متجه إلى مؤسسة تعليمية لا مكان فيها لغير طالب العلم.
وهنا.. يأتى دور البوابات الإلكترونية، وأجهزة كشف المفرقعات، والكلاب البوليسية المدربة، وكلها أصبحت ضرورة، ولم تعد ترفاً بأى حال!
ذلك أنه عندما تضبط أجهزة الأمن، يوم الثلاثاء الماضى فقط، 13 قنبلة فى جامعتى عين شمس والأزهر، فإن معنى هذا أن هناك أشخاصاً مصريين، بكل أسف، حملوا هذه القنابل، ودخلوا بها الجامعة، وأنهم إما أن يكونوا طلاباً، أو أعضاء فى هيئة التدريس، أو موظفين، أو عمالاً، غابت ضمائرهم جميعاً، وارتضوا لأنفسهم أن يكونوا أداة فى يد أعداء لنا، يسعون إلى تخريب هذا البلد، وإما أن يكون الذين تسللوا بالقنابل ليسوا من بين هؤلاء أصلاً، وأنهم دخلاء فى غياب قدرتنا على التحقق الدقيق من شخصية كل داخل إلى المكان.
المسألة ليست إعجازاً، وبقدر بسيط من التفكير المنظم، وتحديد الأولويات، وتطبيقها بنظام، يمكننا أن نواجه هذا العبث الإخوانى، وأن نقطع يديه، بل يمكننا تحقيق الأهم، وهو وأد مثل هذا العبث فى مهده، وعدم السماح بأن يكون له موطئ قدم من أصله!
والمتصور أن تكون الحكومة قد وضعت أمن جامعة القاهرة، بشكل خاص، ثم أمن الجامعات كلها، بشكل عام، على رأس أولوياتها، فى هذا الاتجاه.. وحين أخص «القاهرة» بالكلام، فإن مرجعه إلى أنها أقدم جامعاتنا على الإطلاق، وأعرقها، كما أن لها اسماً ووزناً بين جامعات المنطقة والعالم، وما يحدث فيها، بالتالى، يتردد صداه فى الخارج، بأضعاف أضعاف صدى أى حدث مماثل، فى أى جامعة أخرى من جامعاتنا.
وقد يكون من الأفضل أن يتم إخلاء الميدان الواقع أمام بوابتها الرئيسية تماماً، وأن يتم تحويل المرور بعيداً عن مداخله ومخارجه، وأن يصير ساحة متسعة من الفضاء، لا ميكروباص فيها، ولا باعة متجولون، لأنه، بعشوائيته الحالية، وبزحامه الحاصل، يسمح لطلاب منتمين إلى الجماعة الإرهابية بالتجمع فيه، ثم الاختلاط بغيرهم، من طلاب المدرسة السعيدية، وسواها، أو سواهم، بما يمثل فى النهاية عبئاً على الأمن، هو فى غنى عنه تحت أى ظرف!
أعرف أن هذا كله فى حاجة إلى إمكانات، وأعرف أن بعض أجهزة الدولة يمكن أن تواجه عجزاً فى هذه الإمكانات، ولكن ما أعرفه أكثر أن نوعاً من التفكير خارج الصندوق يمكن أن يخلق هذه الإمكانات خلقاً، فالبلد ممتلئ بالإمكانات المادية، وغير المادية، ولكن المهم هو كيف تدار إمكاناتنا المتاحة، وهى، بحمد الله، كثيرة.. فلو كانت عندنا عشرون جامعة، مثلاً، فإن عشرين من أصحاب الأعمال الكبار قادرون، لو خاطبتهم الدولة، أو تطوعاً منهم، على أن يوفروا للجامعات العشرين ما تحتاجه لحماية كيانها فى زمن لا يقاس.
ضعوا الجامعات على رأس الأولويات، لأنها رهان الجماعة الإرهابية الباقى، واحموها بما تستحق وتستأهل، أو أغلقوها إلى موعد الامتحانات إذا لم تسعفكم الإمكانات، لأنه ليس معقولاً أن تكون أخبارها المحزنة فى صدر وسائل إعلام العالم، فى كل صباح، فهذه جامعات، وليست مؤسسات أحداث، وليس فى إغلاقها أى عيب، لأننا حين نكون مخيرين بينها، بحالتها الراهنة، وبين أمن وطن بكامله، فالوطن يعلو دائماً، ولا يُعلى عليه.
"المصري اليوم"