سليمان جودة
لابد أنه استخفاف هائل بعقل كل مصرى، أن يقال لنا فى نهاية زيارة السيدة أشتون إلى القاهرة، أمس، إنها أبلغت المشير السيسى بأن قرار ترشحه للرئاسة قرار شجاع، وليس سعياً وراء سلطة، وإنها أبلغت أيضاً الرئيس عدلى منصور بأن الاتحاد الأوروبى الذى تمثله هى، على المستويين السياسى والأمنى، يدعم القاهرة فى حربها ضد الإرهاب!
استخفاف بعقولنا، ليس منها وحدها، وإنما من الذين صدقوها فيما قالت، إذا كان هذا هو كل ما قالت، ثم نشروه لنا فى وسائل الإعلام، لنصدقه نحن بدورنا، ونقول: آمين!
استخفاف بعقولنا، لأن الجميع يعرف أن دولاً فى الاتحاد الأوروبى ترفض منذ ثورة 30 يونيو، وإلى الآن، تصدير السلاح المطلوب فى مقاومة الإرهاب إلينا، وتفرض عليه حظراً، وتقتدى بالولايات المتحدة فى هذا الطريق.. فبأى «أمارة» بالله عليكم، تقول هى هذا الكلام، وكيف نصدقه إذا قالته هى، مفترضة من جانبها أننا بلا عقول؟!
سؤالى البسيط هو: عندما تفرض دول فى الاتحاد الأوروبى حظراً على أنواع محددة من السلاح ومن الذخيرة، إذا ما طلبناها منها، فهل يجوز لأشتون، بعد ذلك، أن تقول ما تقوله، وتسوق ما جاءت تسوقه بيننا؟!.. الحقيقة أنها إذا قالت، ثم صدقناها، بالطريقة التى نشرنا بها كلامها فى وسائل إعلامنا، فالعيب قطعاً ليس فيها، والذنب ليس ذنبها أبداً!
ثم.. منذ متى كانت أشتون ترحب بقرار ترشح المشير إلى هذا الحد؟!.. وهل يجوز لنا، أو يليق بنا، أن نصدقها، إذا ما قالت هذا الكلام، ووصفت قرار الرجل بأنه شجاع، وأنه ليس بحثاً عن سلطة؟!.. هل وصل بنا الحال إلى حد البحث عن «شرعية» لقرار ترشحه عندها؟!
إذا كان هناك مَنْ لايزال يصدق كلامها فى الحالتين، فليصدقها، فهو حر، كما أن هذا حقه.. أما من ناحيتى فإن سوابقها معنا، تجعلنى أتحسس عقلى، إذا ما سمعتها تتكلم عنا، بل تجعلنى أتشاءم إذا ما علمت أنها فى زيارة لنا هى الرابعة لها، منذ 30 يونيو، إلى وقتنا الراهن، أى بمعدل زيارة كل شهرين تقريباً، وهو الأمر الذى يدعو فى حد ذاته إلى أن نأخذ زياراتها كلها على ما يجب أن تؤخذ عليه!
فإذا ما تجاوزنا هذا كله، ثم فكرنا فى المسألة بهدوء، فسوف يتبين لنا، على سبيل التخمين، أنها جاءت لأهداف أخرى، وأنها قالت كلاماً آخر، بين الجدران، وهو ما لم يخرج إلى الناس، ليكونوا على علم بأشياء هم أصحاب حق أصيل فى العلم بها!
أشتون لا تغادر مكتبها فى بلجيكا، وتركب الطائرة، ثم تأتى لتقول لنا إن قرار المشير بالترشح قرار شجاع، وإن اتحادها الأوروبى يدعمنا فى حرب الإرهاب، وإنما هى تقصد القاهرة، وفى جيبها «رسائل» محددة تحملها، وتطلب فى العادة رداً عليها، ولابد أن مراجعة سريعة لزياراتها الثلاث السابقة وما أثير قبلها، وبعدها، ترجح ما نقول!
صارحوا الناس، وقولوا لهم الحقيقة عما جاءت به هذه السيدة العجوز، وعما كانت تحمله بالضبط فى حقيبة يدها لنا، ولا تقولوا كلاماً آخر، من نوع ما قيل، لأنه لا يقال إلا لمجانين!
"نقلاً عن جريدة المصري اليوم"