سليمان جودة
مما يألم له المرء أن يصل الخلاف حول هدم مبنى الحزب الوطنى إلى هذا الحد، وألا تكون الحكومة قادرة على فرض ما تراه، مادامت قد اقتنعت به، وأقنعت به الناس فى الإجمال.
فوزير الآثار، الدكتور محمد إبراهيم، يرى أنه أحق بالأرض التى يقع عليها المبنى، لضمها إلى المتحف المصرى، لأنها فى الأصل أرض تخص الآثار!
ووزير الثقافة، الدكتور صابر عرب، يرى أن هدم المبنى خطأ، واعتداء على تاريخ، وإهدار لثروة عقارية!
ووزير السياحة، هشام زعزوع، يريد الأرض مقراً لفندق 7 نجوم يطل على النيل!
ومجلس الوزراء كان قد اتخذ قراراً بهدم المبنى نهائياً، وضم الأرض إلى مساحة المتحف!
وحين اتخذ المجلس قراره ذاك، فإن كثيرين تحمسوا له، ليس من أجل هدم المبنى للهدم فى حد ذاته، وإنما لأن متحفنا، الأهم فى ميدان التحرير، سوف يتنفس أخيراً، وسوف يجد مساحة يتطلع منها إلى النيل، وسوف تخرج بعض مقتنياته من مخازنها لعرضها على الزوار والسياح.
وما يعرفه المتحمسون لضم أرض المبنى إلى المتحف أن مساحته، بعد ضمها إليه، سوف تكون فى حدود 13 ألف متر، أى ثلاثة أفدنة ونصف تقريباً، ولابد أنها مساحة لا تليق أبداً بمتحف يقع فى بلد يحوز ثلث آثار العالم!
والمتحمسون لإبقاء المبنى على حاله لا يعرفون، فى المقابل، متى سوف يتم ترميمه، إذا ما قررنا أن نبقيه، وأن نرممه؟!.. وما موقعه فى قائمة المبانى التى تنتظر ترميماً منذ سنوات، دون أن يصيبها الدور؟!
وقد كنت أتمنى، ولاأزال، أن يدرك المعترضون على هدمه أن ضم الأرض إلى المتحف المصرى العظيم، فى الميدان، هو أعظم هدية يمكن أن نقدمها لمتحفنا، ولآثارنا على السواء.
بل ربما تكون هذه هى أعظم هدية يقدمها «القضاء والقدر» للمتحف، لأن أحداً لم يكن يتصور، قبل 25 يناير 2011، أن يأتى يوم يحترق فيه المبنى، على نحو ما احترق، بعد أن ظل، لسنوات طويلة، مقراً للحزب الوطنى، وللاتحاد الاشتراكى من قبل.. وكأن «القضاء والقدر» قد عز عليه أن يبقى المتحف على هذه المساحة المخنوقة، فقرر أن يعوضه من حيث لم يتوقع أحد، وأن يوسع عليه!
إن متاحف العالم التى زارها أغلبنا، فى باريس، أو لندن، أو نيويورك، تقع على أضعاف أضعاف مساحة متحفنا، رغم أن آثارهم كلها تظل حديثة للغاية، من حيث تاريخها وعمرها، إذا ما قورنت بآثارنا، ورغم أنهم هناك لا يملكون من الآثار ربع ما نملكه!
وتقديرى أن آثار مصر هى النفط الخاص بنا، الذى لم نستخرجه من باطن الأرض بعد، ولو استخرجناه كاملاً، فى يوم من الأيام، وعرفنا كيف نسوِّقه جيداً، وكيف نعرضه، وكيف «نبيعه» لانهالت علينا الثروات!
وما نرجوه من المهندس محلب، رئيس الوزراء، ألا يشغل نفسه كثيراً باختلاف الآراء حول الموضوع، مادام قد استمع إليها جميعاً، لأن صاحب القرار فى مثل مكانه يستحيل أن يأخذ كل الآراء فى الاعتبار، أو أن ينفذها كلها، وإنما غاية ما يملكه، وما يستطيعه، أن ينصت إليها، ثم يذهب إلى قراره الذى اقتنع به من أقصر طريق.
وأريد أن أصارح الرجل بأنى وضعت يدى على قلبى، حين قرأت أنه أحال الموضوع إلى لجنة، ففى تراثنا الشعبى المتوارث أنك إذا أردت أن تميت موضوعاً فليس لك إلا أن تحيله إلى لجنة!
ونحن لا نريد للموضوع أن يموت أبداً، بل نريد حسمه والانتهاء منه، لنتفرغ لغيره، ونريد أن نهمس فى أذن المهندس محلب بأنه إذا كان قد عز علينا أن ننصف الإنسان على أرضنا، منذ 25 يناير، فى حياته، فلننصف تاريخه بإنصاف المتحف!
نقلا عن المصري اليوم