سليمان جودة
لا نصدق أن يكون الدكتور محمد شاكر، وزير الكهرباء، على غير علم بأن قراراً صدر فى الولايات المتحدة، يوم أول يناير من هذا العام، يقضى بمنع استخدام اللمبات العادية تماماً فى الإضاءة، وإحلال اللمبات الموفرة مكانها!
ولا نصدِّق أن يكون الوزير على غير علم بأن قراراً مماثلاً يجرى تطبيقه بحزم، فى دبى، فى هذه اللحظة!
ولا نعرف، بالتالى، ماذا يمنع «شاكر» من اتخاذ قرار كهذا عندنا، بحيث يتوقف، بشكل كامل، استخدام أى لمبة عادية، وبحيث يتم فرض اللمبات الموفرة، فرضاً، على كل مستخدم للتيار.
فاستمرار إضاءة البيوت، وغيرها، باللمبات العادية ليس له إلا معنى واحد، وهو أننا نرى الحل أمام أعيننا، ثم لا نذهب إليه، ثم يزداد الأمر مأساوية عندما نظل، فى المقابل، نشكو من انقطاع الكهرباء، ونقص الوقود المتاح للمحطات!
وليس لهذا إلا معنى واحد آخر هو أن الحكاية فى هذا الملف، وفى غيره من ملفات حياتنا، فى حاجة فقط إلى «قرار» يتخذه المسؤول فى كل موقع، وهو على يقين بأن مسؤوليته تجاه بلده وإزاء مواطنيه تضع فى عنقه أمانة لابد أن يؤديها بإخلاص.
وأعجب ما فى الحكاية أن المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، حين يتخذ «القرار» الذى نريده فعلاً، يسارع أفراد بيننا، ويتهمونه بأنه كان متعجلاً فى اتخاذ قراره!
حدث هذا فى ملف مبنى الحزب الوطنى، حين اتخذ الرجل قراراً شجاعاً يمحو هذه الخرائب المطلة على النيل، ويضم مساحتها إلى أرض المتحف المصرى، فإذا بنا أمام مَنْ يرفض قرار رئيس الحكومة، ومَنْ يحتال عليه، ومَنْ يلف ويدور حوله، بل إننا فوجئنا بنائب لمحافظ القاهرة يقول إن أرض مبنى الحزب تخص المحافظة، وإنها لن تتنازل عنها أبداً، وكأنه يتحدى رئيس الحكومة شخصياً، أو كأنه ينتمى إلى دولة، وينتمى «محلب» إلى دولة أخرى على عداوة مع الأولى!
وتكررت القصة مع قرار رئيس الحكومة بوقف عرض الفيلم إياه، منطلقاً فى قراره من إحساسه بمسؤوليته تجاه مجتمعه، فإذا بالذين يريدون أن يكدسوا المال، ولو على حساب الأخلاق العامة فى البلد، يعترضون على القرار، ويتهمونه بما ليس فيه!
والحقيقة أننا إذا كنا فى حاجة إلى شىء، هذه الأيام، فإننا فى أشد الحاجة إلى «قرارات» حاسمة من هذه النوعية، يتخذها كل مسؤول فى مكانه، ويفرضها على الناس، مادام الصالح العام هو هدفها الأخير.
نريد قراراً من وزير الكهرباء، يقول إنه ابتداء من اليوم الفلانى سوف يمنع منعاً باتاً تداول أو استخدام اللمبات العادية، وإن المسافة الزمنية الممتدة، منذ الآن إلى ذلك اليوم، هى الفرصة الأخيرة لتنفيذ هذا القرار!
فإذا لم يكن الوزير قادراً على اتخاذ قرار كهذا، فرئيس الحكومة موجود، وعليه أن يتصرف فى هذا الاتجاه، وهو على يقين من شيئين، أولهما أن تجاهل فرض اللمبات الموفرة، والتساهل فى استخدام غيرها، إذا لم يكن سوف يضر المواطن فى جيبه، فسوف يضر الاقتصاد العام فى كيانه، وإذا لم يلحق الضرر بالاثنين، فسوف يلحقه بالبيئة فى الإجمالى.. أما الشىء الثانى فهو أن مثل هذه القرارات، التى لا مفر منها، إنما تنقذ اليوم الحاضر فى حياتنا بمثل ما تشترى الغد المضمون.
"المصري اليوم"