سليمان جودة
هل صحيح أن الدكتورة ليلى إسكندر، وزيرة البيئة، ممنوعة من الكلام عن موضوع الفحم فى التليفزيون؟!.. وهل صحيح أن المنع صدر إليها من جهات عليا؟!
هذا كلام منشور فى صحيفة «الصباح» هذا الأسبوع، وهو كلام أرجحه، لأن الوزيرة تعارض بقوة استخدام الفحم، كوقود، فى مصانع الأسمنت، وترى أن له آثاراً مدمرة على حياة الإنسان.
ولكن الواضح أن معارضتها الشرسة للمسألة قد ذهبت أدراج الرياح، بعد أن اتخذ مجلس الوزراء قراراً بالاستخدام، وصمم عليه، ولايزال رئيس الحكومة يقول إنه لا رجعة عن القرار!
وإذا كان هناك شىء نحسبه للمهندس إبراهيم محلب، رئيس الحكومة، فى هذا الملف، وفى غيره، فهذا الشىء هو أنه قادر على اتخاذ القرار.. حدث هذا ثلاث مرات حتى الآن: مرة فى قضية مبنى الحزب الوطنى، ومرة فى قضية الفيلم إياه، ثم ثالثة فى حكاية الفحم!
غير أن القدرة على اتخاذ القرار، إذا كانت حسنة من حسنات محلب، وإذا كانت سمة من سمات رئيس الوزراء الناجح، فإن لها بقية لابد منها، وهى قدرة صاحب القرار على إقناع الرأى العام بقراره، حتى لا يبدو وكأنه ديكتاتور يتخذ القرار، ولا يعنيه بعد ذلك أن يعارضه أى أحد!
وبطبيعة الحال، فإن المبرر، الذى تقدمه الحكومة لاستخدام الفحم، معقول، وهو نقص الطاقة عندنا، وعدم قدرتنا على توفيرها للمصانع، التى تكاد تتوقف عن العمل!
من ناحيتى، مازلت على يقين بأن عندنا من الطاقة ما يكفى مصانع الأسمنت ويزيد، ثم يغنينا عن الفحم وغيره، بشرط أن تقود الحكومة حملة جادة، وطويلة النفس، يتعلم منها كل مواطن كيف يكون رشيداً فى استخدام الكهرباء فى بيته، وفى عمله، وساعتها سوف ينزل حجم استهلاكنا إلى النصف!
غير أن المواطن لن يكون رشيداً، إذا كان الرشد نفسه غائباً عن الحكومة فى استهلاكها، وإذا كانت الحكومة تضىء الشوارع والطرق نهاراً، وتطفئها ليلاً!
والسؤال هو: هل استخدام الفحم يؤثر بشكل سلبى على صحة المواطنين؟!.. وزيرة البيئة تؤكد ذلك، وتقسم على كل كتاب مقدس بأن التأثير خطير ومدمر!
وإذا كان هذا هو رأيها، الذى تعلنه فى كل مناسبة، فلابد من احترامه.. لابد.. وإلا فإلغاء الوزارة أفضل، لأن هذا هو صميم عملها، وجوهر مهمتها.
وأمام تمسك الحكومة بقرارها، فإن على الوزيرة ألا تستسلم، وأن تخرج علينا وتقول - ما معناه - إنها لاتزال ترفض استخدام الفحم رفضاً مطلقاً، وأن الحكومة لا تسمع لرأيها، وأن الحكومة قد تكون معذورة فى تمسكها بالقرار.. قد.. ولكن هذا ليس معناه أن نضحى بصحة كل مصرى، فى سبيل أن تعيش مصانع الأسمنت!
فما الحل؟!.. الحل أن تخرج الوزيرة علينا لتقول، بكل وضوح، إن استخدام الفحم، إذا كان لابد منه، فإن له معايير محددة، وضوابط معينة، وأن هذه هى المعايير والضوابط، التى لا فصال فيها، وأن وزارتها سوف تراقب الالتزام بها، بكل قوة ممكنة، وأنها إذا لم تستطع إلزام المصانع بالمعايير والضوابط العالمية المقررة سوف تستقيل، لتضع كل مسؤول أمام مسؤوليته، لأن صحة كل مواطن يجب أن تعلو، ولا يعلو عليها شىء!
على الوزيرة أن تقاوم، وألا تستسلم، وأن تؤدى مهمتها بأمانة، حتى النهاية، وعلى كل صاحب ضمير فى بلدنا أن يساندها، فما أسوأ أن تقاتل الوزيرة، من أجل صحة كل بنى آدم على هذه الأرض، ثم تكتشف أنها تقاتل وحدها!
"المصري اليوم"