سليمان جودة
كلما تفاءل المرء بمستقبل هذا البلد، فاجأته أشياء تدعوه إلى التشاؤم، ومنها ملف النزاع بين جامعة النيل، وبين مدينة زويل، الذى يأبى إلا أن تكون له ذيول وبقايا ممتدة هنا مرة، وهناك مرات!
فما نعرفه، وما يعرفه كل متابع للملف أن الجامعة كانت قد حصلت على حكم قضائى بأحقيتها فى كامل أراضيها ومبانيها، وفى مرحلة تالية من التقاضى أيد القضاء الحكم الأول، ولم يكن الأمر، عندئذ، فى حاجة إلى شىء، قدر حاجته إلى دولة تنفذ أحكام قضائها، لا أكثر ولا أقل!
ومع ذلك، فقد تدخل المستشار عدلى منصور، رئيس الجمهورية، واستقبل وفداً يمثل الجامعة، بعد أن كان قد تلقى اتصالاً هاتفياً من الدكتور أحمد زويل، وانتهى الرئيس، خلال استقباله الوفد، إلى تسوية نهائية تقول إن المبانى والأرض كلها من حق الجامعة، وأن لها أن تتصرف فيها بحرية، منذ الآن، وأن عليها فقط أن تستضيف مدينة زويل، فى أحد المبانى، إلى أن يكون للمدينة مقر تنتقل إليه.
ورغم أن رئيس الدولة لم يكن من حقه التدخل فى موضوع حكم القضاء فيه، ورغم أن الموضوع كان محلولاً بحكم قضائى نهائى، ورغم أنه لم يكن فى حاجة إلا إلى ثلاث كلمات لا رابع لها هى: تنفيذ حكم القضاء.. ورغم.. ورغم.. إلا أننا يومها حمدنا الله على أن القضية انتهت، وليس مهماً كيف انتهت.. المهم أنها انتهت، والأهم أنه قد أصبح فى إمكاننا أن نتفرغ لغيرها، ولما هو أهم!
ولكن يبدو أننا كنا واهمين، ويبدو أن كل واحد فينا كان حسن النية بأكثر من اللازم، إذ ما كاد رئيس الحكومة، المهندس إبراهيم محلب، يشرع فى إعداد صيغة تنفيذية، لوضع التسوية التى انتهى إليها الرئيس موضع التنفيذ، حتى تلقى خطاباً من د. شريف صدقى، مدير مدينة زويل، يطلب فيه البقاء فى المبنى التعليمى لجامعة النيل، إلى أجل غير مسمى!!.. يعنى بالعربى الفصيح يطلب استمرار استيلاء مدينته على المبنى، رغم أن التسوية التى جرى إنجازها على يد الرئيس تجعل بقاءهم فى المبنى مؤقتاً، وتنصحهم بالإسراع فى العثور على مقر ينتقلون إليه.
ولم يتوقف شريف صدقى عند هذا الحد، وإنما راح يجرد المبنى الإدارى للجامعة من كل ما فيه، لدرجة أنه نزع مقاعده نفسها، وهى طريقة لا تليق، فى الحقيقة، بأستاذ جامعى، فضلاً عن أن يكون هذا الأستاذ الجامعى قادماً من الجامعة الأمريكية، وفضلاً كذلك عن أن يكون الأستاذ نفسه مديراً لمدينة حصل صاحبها على نوبل فى العلم!
هذه فى الحقيقة ليست أخلاق علماء على الإطلاق، غير أن الذنب ليس ذنبه، وإنما ذنب رئيس الجمهورية الذى سمح لنفسه، منذ البداية، بأن يتدخل فى قضية حكم فيها القضاء، وذنب رئيس الحكومة الذى كنا، ولانزال، نتوقع منه أن يذهب إلى احترام حكم القانون من أقصر طريق، ليريح ويستريح، فلا يملك أحد، عندئذ، أن يناقشه فى شىء.
ثم إنه ذنب وفد الجامعة الذى كان عليه لما ذهب إلى الرئيس أن يصارحه بأنه، كوفد، لم يأت من أجل تسوية من أى نوع، وأياً كان شكلها، وإنما من أجل تنفيذ حكم قضائى نهائى لا جدال حوله، ولا فيه!
الذنب ليس ذنب شريف صدقى، وإنما ذنب الجامعة التى قبلت التسوية فى أمر واضح كالشمس، ولا يقبل، تحت أى حال، القسمة على اثنين!
الذنب ليس ذنبه، لأن كرم الجامعة معه، ومع مدينته التى يديرها، قد قوبل بأشياء لا علاقة لها بعلم، ولا بعلماء!
نقلاً عن "المصري اليوم"