سليمان جودة
رأيت فى المغرب، أول هذا الشهر، كيف احتفلت صحافة الرباط بالدكتور مراد وهبة، ورأيت بعينى، قبلها، كيف احتفى به الوزير محمد بن عيسى، أمين عام منتدى أصيلة الثقافى الدولى، ورأيت هناك، للمرة الثالثة، كيف أن مثقفين عرباً كباراً كانوا يتحدثون إلى الدكتور وهبة تارة، ويتطلعون إليه تارة أخرى، ولسان حالهم يقول: كيف يكون مثل هذا الرجل، بعقله الفريد، موجوداً فى مصر، ثم يكون هذا هو حال التعليم فيها؟!
وللتعليم معه قصة رواها لى، ونحن معاً فى سيارة تنقلنا من أصيلة إلى طنجة على شاطئ المحيط الأطلنطى.
لقد قضى الرجل كل لحظة مضت فى حياته، ومنتهى أمله أن يدرب التعليم طلابنا على الابتكار، قبل أن يدربهم على أى شىء آخر.
ولأنه ليس مجرد أستاذ للفلسفة فى الجامعة، ولأنه يحمل فى رأسه عقلاً، من النادر أن يحمله رأس أستاذ فلسفة، فهو لم يتوقف بما يريده عند حدود التمنى، ولكنه أعد ذات يوم برنامجاً دراسياً كاملاً، يمكن به أن يتحقق هدفان: أولهما أن يقوم التعليم فى مدارسنا على أن الطالب لا بد أن يتعلم كيف يكون مبدعاً لا مجرد حافظ لدروس يتلقاها ليمتحن فيها، وينساها. وثانيهما أن يكون الاعتماد فى تقييم مدى تحصيل الطالب ومدى فهمه ومدى استيعابه على أشياء كثيرة، ليس من بينها الامتحان بصورته التى يجرى بها حالياً، فإذا كان لا بد من أن يكون الامتحان من بين أدوات التقييم، فليكن آخر أداة، لا أول أداة أبداً، ولا الأداة الرئيسية أو الوحيدة، كما هو حاصل الآن فى مدارسنا وفى جامعاتنا.
كانت الفكرة فى حاجة إلى مسؤول شجاع يأخذها، ويضعها موضع التنفيذ، وكان وضعها موضع التنفيذ خصوصاً فى تحديد موقع الامتحان كأداة بشكله الحالى فى تقييم الطالب- معناه أن تتراجع قيمة الكتاب الخارجى، وأن يأتى يوم تختفى فيه «الفجالة» تماماً، من حياة كل طالب.
وحين صار الدكتور فتحى سرور وزيراً للتعليم، اقتنع بفكرة الدكتور مراد، وقرر أن يأخذها، وأن يترجمها على الأرض فى مدارسنا.. وما إن بدأ حتى جاءه تليفون من وزير الدخلية، وقتها، يطلب منه صراحة أن يترك «الفجالة» فى حالها، وأن يبتعد عنها.. وقد ابتعد الدكتور سرور، وترك «الفجالة» على حالها ليبقى التعليم على حاله!
ولم يكن للتليفون من معنى سوى أن ما تسمعه أنت من الدولة عن أن أمر التعليم يهمها كلام لا يساوى وزنه تراباً!.