بقلم - سليمان جودة
الصيام بالمعنى العام للكلمة ليس حكرًا على المسلمين، ولكنه موجود فى كل الديانات السماوية، وهو أيضًا موجود فى الديانات الأرضية.
ويختلف معنى الصيام من ديانة سماوية إلى أخرى، فهو فى الإسلام صيام كامل عن كل طعام من الفجر إلى المغرب، وهو فى المسيحية صيام عن أشياء دون أشياء، وهو فى اليهودية صيام عن العمل لا عن الطعام كما نفهم من القرآن الكريم.
والزعيم الهندى المهاتما غاندى لم يكن يؤمن بديانات السماء، وكان هندوسيًّا يعتقد فى الديانة الهندوسية، ولكنه كان يصوم عن الطعام كثيرًا، وكان يملك فلسفة فى الصيام لا يملكها سواه، وكانت فلسفته تقوم على أساس أن الصوم بالنسبة له عين تنفتح على عالمه الداخلى، بمثل ما إن عينه التى فى رأسه تنفتح على العالم الخارجى من حوله فيراه بكل ما فيه.
وهكذا عاش غاندى يدرب نفسه على أن يكتشف العالم الخاص فى أعماقه، وبكل ما يمكن أن يكون فيه من المعانى السامية، وكان الصوم هو أداته فى هذا الاكتشاف والاستكشاف، وكان يدعو الآخرين إلى أن يفعلوا مثله، وكان صيامه نورًا يشع فى وجدانه.
وربما كانت هذه الفلسفة عنده هى التى أمدته بالصبر فى مواجهة احتلال الإنجليز لبلاده، وفى مرحلة متقدمة تحول الصبر عنده إلى مقاومة سلمية تحارب الإنجليز بالعصيان المدنى السلمى.. وهكذا حصل من الصيام على طاقة جبارة فى العمل، وفى المقاومة، وفى الصمود.
ومن أعجب ما نراه فى رمضان أن يتحول من شهر للصوم إلى شهر للموائد، التى لا تكون بهذا الشكل فى سواه من شهور السنة.. وقد وصل الأمر إلى حد أن المسؤولين فى الغرف التجارية يقولون إن الاستهلاك يزيد فى رمضان بما يقرب من النصف، مع أن العكس هو المفروض لأن المفترض نظريًّا أن الصائم يأكل فى أيام رمضان أقل مما يأكل فى بقية الأيام.. فمن أين تأتى زيادة الاستهلاك، وكيف يمكن فهمها، أو تبريرها، أو حتى هضمها، فضلًا عن القدرة على استيعابها؟!.
نقرأ عن لص دعاه أصحابه ذات يوم إلى أن يشاركهم الطعام، فقال إنه صائم، ولما استغربوا منه أن يسرق، ثم يصوم، فسّر الأمر لهم، فقال: إنى أحب أن يبقى بينى وبين الله خيط ممدود أو باب مفتوح.
ومن فلسفة غاندى فى الصيام إلى فلسفة اللص الصائم، يبدو لنا الموضوع من وجوه مختلفة، ونجد أنفسنا مدعوين للنظر إلى رمضان على غير ما اعتدنا أن ننظر به إليه.