بقلم - سليمان جودة
نقلت وكالات الأنباء صورة لافتة لأنتونى بلينكن، وزير الخارجية الأمريكى، وهو يزور العاصمة الإثيوبية أديس أبابا فى ١٥ من هذا الشهر.. والصورة لافتة لأن بلينكن ظهر فيها وسط أجواء فولكلورية، وهو جالس يشرب القهوة الإثيوبية مع نظيره الإثيوبى، ديميكى ميكونين، بينما امرأتان إثيوبيتان جالستان أمامهما على الأرض تصبان لهما فنجانى القهوة.
إلى هنا لا شىء فى الموضوع سوى هذه الأجواء الشعبية التى ملأت الصورة، ولكن الشىء الحقيقى تجده فى قائمة أولويات القضايا التى حملها معه الوزير الأمريكى إلى إثيوبيا.
فقبل الزيارة بساعات كان متحدث الخارجية الأمريكية قد قال إن قضية سد النهضة على رأس الموضوعات التى ستكون محل نقاش جاد بين الوزيرين، وبما أنه قال ذلك، فالذين تابعوا تفاصيل الزيارة مسبقاً ترقبوا مثل هذا النقاش وانتظروه، لكن أدهشهم للغاية أن تخلو الزيارة عند انتهائها من أى كلام فى موضوع السد.
طبعاً.. من حق بلينكن أن يناقش ما يراه فى إثيوبيا وفى كل مكان، ومن حقه أيضاً ألا يناقش ما يراه، لكن عندما يقال للناس شىء قبل الزيارة على لسان متحدث وزارته، فليس من اللائق خداع الناس بأن يقال لهم شىء عن قضية بعينها، ثم لا يكون لما قيل عنها أى أثر على الأرض فى أثناء الزيارة.
والسؤال هو: هل هذا هو «التواجد الأمريكى» فى المنطقة، كما كنا قد سمعنا عنه من الرئيس الأمريكى جو بايدن، فى أثناء زيارته إليها فى يوليو من السنة الماضية؟!.. لقد جاء بايدن فى الصيف وزار تل أبيب، ثم الضفة الغربية المحتلة، ومن بعدهما حضر القمة الأمريكية العربية فى جدة على البحر الأحمر.. وعلى مدى المحطات الثلاث كان الرئيس الأمريكى وأركان إدارته يتحدثون عن عودة أمريكية إلى المنطقة، وعن التجاوب والتفاعل مع قضاياها، وعن ضرورة ذلك كله بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها فى هذه المنطقة من العالم.
ولكن زيارة وزير خارجيته إلى العاصمة الإثيوبية لا تقول بهذا، بل تقول العكس، لأن قضية مثل سد النهضة إذا لم تكن حاضرة فى كل زيارة لكل مسؤول أمريكى إلى منطقتنا، فلا مجال بعد ذلك لحديث عن تواجد، ولا عن تفاعل، ولا عن تجاوب مع قضايانا الحيوية.
ليس هذا وفقط.. لكن لا مصداقية لأى حديث أمريكى عن حقوق الإنسان هنا فى المنطقة، لأن موضوع مثل السد هو فى المقدمة من حقوق الإنسان بمعناها الأوسع، إذا تكلمنا عن حصتنا وعن حصة السودان فى مياه النهر الخالد.. إن للناس ذاكرة، ولا يليق بالأمريكان أن يستهينوا بها إلى هذا الحد.