بقلم - سليمان جودة
أذاعت قناة «ماسبيرو زمان» لقاءً تليفزيونيا مع الشاعر صلاح جاهين أجراه طارق حبيب فى ١٩٧٧، وكان ذلك قبل رحيل الشاعر بتسع سنوات.
الحوار غاية فى الأبهة على مستوى الضيف والمذيع معا، لأن الضيف لا يستطرد فيه بغير ضرورة، ولا المذيع تغريه الثرثرة الفارغة كأغلب حواراتنا التليفزيونية، ولا يرد جاهين إلا بكلام قليل على كل سؤال، وكلامه كأنه من ذهب، أو كأنه أهداف يسددها لاعب إلى مرماها بالضبط فلا تنحرف إلى يمين أو شمال.
وإذا كان المشاهد يسمع صلاح جاهين للمرة الأولى فى هذا اللقاء، فسوف يعرف عنه وعن موضوعات شتى ما لم يكن يعرفه من قبل.
من ذلك مثلا أنه كتب أغنية عن نصر أكتوبر العظيم، وأن سعاد حسنى هى التى غنتها، وأنها كانت من ألحان سيد مكاوى.. وقد أذاعت الحلقة جانبا منها.. ولا تعرف لماذا لا تذاع هذه الأغنية فى انتصارات أكتوبر من كل سنة، رغم أنها جميلة فعلا، ورغم أن سعاد حسنى تؤديها بخفة دم، ورشاقة، واستعراض شيق وجذاب كعادتها فى كل أعمالها؟!.. إننى أدعو إلى أن نسمع هذه الأغنية وأن نراها فى احتفالات أكتوبر المقبلة!.
ومما سوف تعرفه عن جاهين أن وزنه الكبير لم يكن يرجع إلى حبه للأكل كما قد نتصور، وأنه كان يعانى من «الجوع الكاذب» وأن هذا الجوع معناه أن يفتقد الشخص شيئا ما فى حياته ولا يعثر عليه، فلا يجد أمامه غير الطعام بديلا عما يبحث عنه ولا يستطيع الوصول إليه!.. وليس أغرب من أن يموت صلاح جاهين مكتئبا، رغم أنه عاش سنوات عمره يوزع البسمة على الناس من خلال كاريكاتيره اليومى فى الأهرام!.
ومن حديثه تفهم أن الاكتئاب قاسم مشترك أعظم بين رسامى الكاريكاتير فى العالم، وأنه لما ذهب إلى أشهر أطباء الاكتئاب فى لندن عرف منه هذه المعلومة أو هذه الحقيقة!.. ويروى أنه بعد زيارة طبيب لندن بسنة، سأل عن أشهر رسام كاريكاتير وقتها فعرف أنه انتحر!!.. وقد أزعجه أن يعيش رسام من أجل إضحاك الناس، ثم يموت مكتئبا منتحرا!.
ولأن البرنامج اسمه «أوتوجراف»، فإن طارق حبيب دعاه، فى النهاية، إلى التوقيع فى الأوتوجراف، فكتب بخط يده يقول إنه إذا كان قد سجل البرنامج فى القرن العشرين، فأمنيته أن يشاهد أحفاده الحلقة فى القرن الحادى والعشرين وأن يفرحوا بها، وألا يكون التليفزيون قد مسحها!.
والأكيد أن أحفاد صلاح جاهين وأحفاد غيره قد استمتعوا جدا بكلامه، والحمد لله أن ماسبيرو لم يمسح الحلقة، ولا شك أن عنده مما يماثلها الكثير من ثروتنا الثقافية والفنية التى لا تقدر بمال!.