بقلم - سليمان جودة
حصل الرئيس الصينى شى جينبينج على ولاية ثالثة مدتها ٥ سنوات. وقال الذين تابعوا هذا الحدث غير المسبوق فى الصين إن «شى» يقود بلاده لتتقدم اقتصاديًا على الولايات المتحدة الأمريكية، وتصبح الاقتصاد الأول فى العالم.. ومن قبل، كان الرجل نفسه قد جدد رئاسته اللجنة المركزية للحزب الشيوعى الحاكم، وهو منصب أهم من منصب الرئيس، إذا كان المقياس مدى فاعلية شاغله فى الواقع السياسى للبلاد.
وبصرف النظر عن أفضلية المنصبين بعضهما على بعض، فالسؤال يظل عن قدرة الصين على تجاوز الولايات المتحدة اقتصاديًا، كما تجاوزت اليابان من قبل، فقفزت من الاقتصاد الثالث إلى الاقتصاد الثانى.. إجابة السؤال سوف يتكفل بها الواقع العملى فى مسار الصين، وسوف يكون ذلك فى الأمد الزمنى المنظور.. وعلينا تخمين الإجابة إلى أن نرى ملامح هذا الواقع أمامنا.
وبما أن المقارنة من جانب بكين هى مع واشنطن وليست مع عاصمة أخرى سواها، فالإجابة تبدأ من العاصمة الأمريكية أكثر ربما مما تبدأ من العاصمة الصينية.. فمن خلال السبب الذى قاد أمريكا إلى موقعها الحاصل بين الأمم، نستطيع أن نرى ما إذا كانت حكومة الرئيس شى قادرة فعلًا على الوصول إلى ما تخطط له فى دنيا الاقتصاد وتعلنه.
إن الحيوية السياسية فى الحياة الأمريكية هى التى قادت بلاد العم سام إلى ما هى عليه، والحيوية السياسية عمرها عندهم ٢٥٠ سنة تقريبًا، وهذه السنون هى مجمل تاريخ الولايات المتحدة منذ استقلالها، ولم يحدث أن تعطلت حيوية من هذا النوع سوى مرة واحدة.. هذه المرة هى التى جرى فيها انتخاب الرئيس فرانكلين روزفلت أربع مرات، وكان ذلك على خلاف كل الرؤساء الأمريكان بغير استثناء، فلم يحدث ذلك مع رئيس سبقه، ولا مع رئيس جاء من بعده.. ولهذا صارت أمريكا هى أمريكا.
هناك طبعًا أسباب أخرى، ولكن هذا السبب يظل الأهم دون منافسة من سبب آخر، وهذه الحيوية التى تدب فى البلاد كل أربع سنوات هى السبب الأكبر الذى لا يسمح لأحد بأن يبقى فى البيت الأبيض أكثر من ثمانية أعوام مهما كانت قدراته، ومهما كانت إمكاناته، ومهما كانت عبقريته.
والآباء الستة المؤسسون الذين وضعوا هذه القاعدة المقدسة قبل قرنين ونصف قرن من الزمان لم يكونوا يضعون أى كلام، ولم يكونوا يقضون وقت فراغ، ولكنهم كانوا يؤسسون لدولة قوية، وكانوا يعرفون أن الدولة القوية، فضلًا عن أن تكون الدولة الأقوى، لا تقوم على غير أساس، ولكنها تقوم على أساس قوى شأنها شأن أى بنيان متماسك، فإذا لم يتوافر الأساس لم يرتفع البنيان.
حيوية الولايات المتحدة فى ديمقراطيتها التى نتابع وقائعها كل أربع سنوات، والتى تدور كما تدور ساعة سويسرية، وهى سبب قوتها وبأسها، ومثل هذه الحيوية لن يكون لها وجود فى الصين، ما داموا هناك قد فتحوا الطريق أمام شاغل القصر ليبقى كما يحب.