بقلم - سليمان جودة
رحل الكاتب السورى حيدر حيدر، فأعاد إلى الأذهان ضجة واسعة كانت قد ثارت حول روايته الشهيرة: وليمة لأعشاب البحر.
كانت الرواية قد صدرت عن هيئة قصور الثقافة، وكان الفنان فاروق حسنى وزيرًا للثقافة وقتها، وكان الإخوان موجودين فى البرلمان، فأقاموا الدنيا ولم يُقعدوها، ولعبوا بالرواية على أعصاب الرأى العام، ووظفوها لصالحهم لدى الناس، ونصبوا محاكمة برلمانية بسببها للوزير!.
وكانت القضية كلها أن هناك مَنْ وجد فى صفحاتها سطورًا لا يجب نشرها، ولكن فاروق حسنى لم يخضع وقتها لابتزاز نواب الإخوان فى البرلمان، وذهب إلى قاعة مجلس الشعب يدافع عن حرية الرأى، وعن أن مصادرة الرأى الآخر لا تجوز، وأنه كوزير لن يسمح بها.
ولكن القصة كانت لها بقية أهم، وكان فاروق حسنى على موعد مع هذه البقية فى باريس، عندما طُرح اسمه مرشحًا لمصر على موقع مدير المنظمة الدولية للعلوم والتربية والثقافة، الشهيرة باليونسكو، فى مقرها بعاصمة النور.. وقتها ذهب يروّج لنفسه لدى الدول الأعضاء فى المنظمة، فقام مندوب ألمانيا يسأله عما يستطيع أن يقوله للآخرين وهو يرشح نفسه، ثم وهو يطلب من هؤلاء الآخرين أن يصوتوا لصالحه دون بقية المرشحين.
وكان مما قاله مرشح مصر للسائل الألمانى، إن ضجة ثارت فى مصر ضد رواية اسمها وليمة لأعشاب البحر، وإن مؤلفها سورى وليس مصريًا، وإن المتشددين استدعوه إلى البرلمان بسبب الرواية، وإن تهويشهم لم يؤثر فيه ولا انطلى عليه، وإنه ذهب إلى المجلس المنتخب وواجههم فيه، وإنه خرج من المواجهة معهم وهو متمسك بأن تظل الرواية فى الأسواق، وأن الحكم عليها يظل للقارئ لا لطرف آخر، وأنه ليس من حق أى طرف أن يفرض وصايته على هذا القارئ.
حديث كهذا كان يكفى لأن يكسب مرشح مصر المعركة، لأنه واضح بما يكفى، ولأنه يقف مع حرية الرأى بما يكفى أيضًا.
ورغم أن الفوز كاد أن يكون من نصيبه، ورغم أنه كان بينه وبين الفوز صوت واحد، إلا أن الموضوع كانت له أبعاده الأخرى على مستوى الدول المتحكمة فى اليونسكو، والتى تقرر فيما بينها وبين نفسها إلى أى دولة يذهب منصب مدير المنظمة!.. وهذا ما لن يكون خافيًا على الدكتور خالد العنانى وهو يتهيأ لخوض المعركة ذاتها فى المنظمة الدولية هذه الأيام.