بقلم - سليمان جودة
عمر البشير كان السبب الأول في هذا المشهد المأساوى الذي يتابعه العالم في أنحاء السودان.
كان قد استلم الحكم في ١٩٨٩، وكانت البلاد بلدًا واحدًا من الخرطوم في شمالها إلى جوبا في جنوبها، ولكنه تركها بلدين بعاصمتين؛ ففقدت نصفها على يديه الكريمتين، رغم أن جون قرنق نفسه الذي تزعم الحركة الشعبية لتحرير السودان في الجنوب، لم يكن مع أن يكون السودان سودانين!.
كان قرنق يراهن من موقعه في الجنوب على السودان الموحد للجميع، وكان يرغب في أن يكون كل السودانيين سواء في الحقوق وفى الواجبات، وكان قد قضى حياته يدعو إلى ذلك ويتمسك به، ولكن هذه مسألة لم تكن على بال البشير، لأن انشغاله كان بالبقاء في السلطة إلى أطول مدى ممكن، ولم يكن يهمه أن يتمزق البلد أو ينقسم بلدين.. فهذا آخر ما كان ينشغل به أو يهتم!.
ولم يشأ أن يتوقف عند حدود تقسيم بلده إلى بلدين، ولكنه ذهب إلى أن يكون للنصف المتبقى تحت سلطته جيشان، أحدهما الجيش النظامى للبلد، والثانى هو ما سماه قوات الدعم السريع.. فكأنه لم يشأ أن يغادر مصحوبًا باللعنات، إلا بعد أن يترك وراءه خنجرًا في خصر السودان.
وكان هذا الخنجر هو قوات الدعم السريع، التي صارت وكأنها جيش آخر يتوازى مع الجيش النظامى الحقيقى.. ولأنه من المستحيل أن يعيش أي بلد بجيشين على أرضه، فإن ما حدث كان لا بد أن يحدث، وكان لا بد أن يكون السودانيون هُم الضحية، وهُم الذين يدفعون الثمن فادحًا من استقرار بلدهم، ومن أمنه، ومن قدرته على أن يتماسك، ثم من قدرته على أن يوفر الحد الأدنى من الضرورات لآحاد المواطنين.
كانت المشكلة في مرحلة ما بعد رحيله أن يتوافق المدنيون مع العسكريين على صيغة للحكم، وقد انقضت ثلاث سنوات في هذا الطريق إلى أن توافق الطرفان بالكاد مع نهاية السنوات الثلاث، ولكن الاتفاق بينهما ما كاد يدخل حيز التنفيذ، حتى انفجر الخلاف بين الجيش وقوات الدعم السريع، وتحولت المشكلة إلى معضلة في أرجاء البلد الطيب!.
سوف يظل البشير نموذجًا للحاكم الذي لا يكون عبئًا على مواطنيه في وجوده فقط، ولكنه يبقى عبئًا عليهم بعد رحيله بالدرجة نفسها.. وقد كان يحلو له أن يخرج على الناس راقصًا بالعصا، ولم يكن أحد يدرى أنه كان يرقص على أشلاء السودان.