بقلم - سليمان جودة
لو أن الدولة صارحت نفسها في موضوع تخارجها من أنشطة اقتصادية دخلتها، ستكتشف زاوية لم تكن تخطر على بالها في الموصوع.
هذه الزاوية هي أنها كدولة لم تتخارج، سوف تظل تتطلع إلى كل مستثمر يعمل على أرضها على أنه منافس لها بالضرورة، لا على أنه مستثمر ينتظر مساعدتها، وعونها، ويدها الممدودة، وقوانينها العادلة.. هذه طبائع الأمور.. سواء كان المستثمر مستثمرًا وطنيًّا، أو كان مستثمرًا جاء من خارج البلاد.. ستتصرف إزاء المستثمر على هذه الأرضية، ربما حتى بدون أن تقصد، وبدون أن تلتفت أو تدرى.
ولو أنها نظرت إلى الموضوع من الوجه الآخر، أقصد الوجه الذي تكون فيه بعيدة عن أن تنافس فيه أحدًا منهم، فسوف تتعامل مع المستثمر نفسه بمنطق آخر.. منطق أنها شريكة معه في مشروعه بغير أن تقدم شيئًا من جانبها في مقابل هذه الشراكة.
ستكون شريكة من خلال شتى أنواع الضرائب التي يؤديها لها كل مستثمر في الخزانة العامة، ومن خلال التأمينات التي يدفعها عن العمال عنده.. وإذا خسر هو فلا علاقة لها بخسارته، ولن يكون عليها أن تتحمل شيئًا مما خسره.. وهكذا، فهى شريكة في كل ما يربحه، وليست شريكة له في خسارته.. هذه حالة يسمون فيها الدولة: الشريك المرفوع.
أيهما أفضل لها إذن؟.. أن تدخل لتنافس فلا تكون المنافسة متكافئة بينها وبين المستثمر، ولا يستريح الطرف المنافس لها ولا يطمئن؟.. أم تبتعد وتتيح الأجواء المشجعة، وتظل شريكًا مرفوعًا له في كل مكسب يحققه كل مستثمر، ولا يكون عليها شىء من أي خسارة قد يتكبدها المستثمر ذاته؟!.
إن الدولة تقول إنها ستلتزم الحياد التنافسى مع القطاع الخاص، وهى صادقة فيما تقوله تمامًا، ونحن أيضًا نصدقها، ولكن المشكلة ستظهر عند تطبيق هذا الحياد التنافسى على الأرض.
عندها سيختلف الوضع في الواقع عنه في الكلام، لأن معنى مبدأ الحياد التنافسى أن الدولة موجودة تنافس، وبما أنها موجودة وتنافس فهى طرف، وبما أنها طرف فالطرف الآخر أمامها منافس، لا مستثمر، وهذا هو أصل المشكلة.. فالطرف في أي مشهد هو منافس، حتى ولو حاولت الدولة أن تتحلى بكل الموضوعية التي في الدنيا كلها.. الطرف في معادلة من نوع ما نتكلم عنه ينافس مهما حاول ألا ينافس، ولا فرق في ذلك بين أن يكون المنافس شخصًا أو يكون دولة.
تكسب الدولة كثيرًا عندما تأخذ خطوة إلى الوراء، وتتفرغ لتنظيم العلاقة بين المستثمرين جميعًا، وضمان ألا يمارس أحد منهم احتكارًا في أي مجال.. تكسب ولا تخسر.. وتتجنب أن تكون في موقع المنافسة مع أحد، لأن هذا ليس دورها، ولا هذه هي مهمتها.