بقلم -سليمان جودة
كان الكاتب الكبير أحمد أبو الفتح يرى أن قارئ الصحيفة لا صبر له على شىء، وأنه يقرر منذ السطر الأول أن يقرأ المقال المنشور، أو أن ينصرف إلى سواه، وأن هذا يفرض على الكاتب أن يعرف كيف يشد القارئ من السطر الأول حتى يصل به إلى السطر الأخير.
وكنت كلما جلست مع الكاتب الراحل الكبير، فى بيته، على النيل، راح يكرر هذا المعنى ويؤكده، ثم كان يضرب الأمثلة العملية التى تؤيد ما يقول.
وقد عاش الأستاذ مفيد فوزى يعمل بما كان أبو الفتح يقوله، وعاش يكتب تلغرافات سريعة لا ينتهى القارئ من تلغراف منها حتى يبدأ فى التلغراف التالى، وعاش يمارس هذا بإخلاص شديد، وعاش يفعل ذلك، ليس على صفحات الجريدة وحدها ولكن على الشاشة أيضًا. وقد أخذت ابنته الزميلة حنان عنه تلغرافاته فكادت تتفوق عليه، ثم راحت تضيف إلى ما تكتبه حسًا ساخرًا لا يغيب عن الكلمات.
والذين تابعوا برنامجه الشهير «حديث المدينة» ربما لاحظوا أن هذه الطريقة التلغرافية كانت هى طريقته المعتمدة فى إلقاء السؤال وفى استخلاص الإجابة من الضيف.. كان يعرف أن المشاهد ملول بطبعه، وأن الريموت كونترول فى يده، وأنه قادر على أن ينتقل فى لحظة من قناة إلى قناة.. وكان البرنامج درسًا عمليًا أسبوعيًا فى كيفية اقتراب الشاشة من الناس.
وكنت قد رافقته فى رحلة عمل إلى الأردن فى سبتمبر من السنة الماضية، وهناك كنا نذهب معًا إلى مهرجان جرش الشهير فى الصباح، وكنا نعود فى المساء، وكانت مدينة جرش على مسافة ٥٠ كيلو مترًا خارج العاصمة عمان، ولكنه كان يذهب ويعود بلياقة شاب فى الثلاثين، وكان يتابع أعمال المهرجان بحماس صحفى يخطو أولى خطواته فى بلاط الصحافة.
كنت أرافقه وأنا أراقبه كيف يعمل، وفى كل مرة كنت أراه تجسيدًا للحديث الشريف الذى يقول: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه.
كان الإتقان شعاره فى الحياة، وفى الكتابة، وعلى الشاشة، وفى كل شىء، وكان لا يرضى عن عمل يقدمه إلى الناس إلا إذا أحس بأنه أجاد فيه، وكان يكتب بقلم كأنه حد السكين، وكان يجرح ويداوى فى ذات الوقت، وكان لا يرى فائدة فى كتابة لا تلامس هموم المواطنين.. يرحمه الله على قدر إخلاصه فيما قدم وكتب.