بقلم - سليمان جودة
احتفظت السيناتورة الأميركية كاثرين كورتيز ماستو بمقعدها في مجلس الشيوخ عن ولاية نيفادا، فانتعش الديمقراطيون وأحسوا بالفرح، وأيقنوا أنهم بمقعدها تعادلوا مع الجمهوريين في المجلس، ولكنه تعادل يجعلهم متقدمين على الفريق المنافس بالنقاط.
والنقاط في مجلس الشيوخ بالنسبة لإدارة جو بايدن الديمقراطية هي كامالا هاريس، نائبة الرئيس التي ترأس المجلس، والتي سيكون صوتها مرجحاً عند أي تصويت بين الفريقين، بحكم أنها ديمقراطية.
وعلى الرغم من أن الديمقراطيين كانوا يسيطرون على المجلس قبل الانتخابات، فإن احتفاظهم بالسيطرة عليه بدا وكأنهم ينتزعون أغلبية كانت مع الجمهوريين.
ولم يكن غريباً أن يسارع الرئيس بايدن إلى الاتصال بالسيناتورة الفائزة لتهنئتها، وأن يقول إن فوزها جعل الديمقراطيين يسيطرون على المجلس، وإن ذلك يقوي من مكانته في العموم. وبصرف النظر عن هذا كله، فهذه الحصيلة الديمقراطية تبقى كاشفة على عدة مستويات، ومثيرة للتأمل على أكثر من مستوى. وبصرف النظر عن مقعد جورجيا الوحيد المتبقي، وعما إذا كان سيقع في حجر هذا أو ذاك من الفريقين، فسوف نتبين الأمر حين تجري انتخابات الإعادة عليه في السادس من الشهر المقبل.
سوف تظل الحصيلة مثيرة وكاشفة على مستوى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، ليس من حيث قدرته على الحشد في مرحلة ما قبل الانتخابات، ولكن من حيث قدرته على التأثير من خلال الحشد الذي لم يكن يتوقف عنه، ومن حيث مدى مصداقيته بين الجمهوريين في مرحلة ما بعد الانتخابات.
فهو قد وعدهم بما كان يقول عنه إنه «موجة حمراء»، وكان يتحدث عن أن حشوده التي دعاها إلى الصناديق سوف تكتسح الديمقراطيين، وسوف تجعل النتيجة جمهورية اللون والمذاق والهوى، وسوف تجعل الديمقراطيين خارج القدرة على السيطرة في مجلس النواب وفي مجلس الشيوخ معاً، إلى آخر ما عاش يروّج له في الطريق إلى الانتخابات.
ولكن مع بدء السباق تبددت الموجة الحمراء، ولم يظهر لها أثر، وبدأ الديمقراطيون يحتفلون بالنصر الذي رأوا أنه قد تحقق، وأفاق الجمهوريون على ما يعتبرونه هزيمة، أو ما يشبه الهزيمة، على الرغم من أنهم فازوا في مجلس النواب بأغلبية ضئيلة، ولكنه بالطبع ليس الفوز الذي كان ترمب يزينه في عيونهم، فلقد كان يدعوهم إلى مائدة من المن والسلوى في ختام السباق.
والغالب أن نظرة الحزب الجمهوري إلى ترمب بعد النتيجة التي تحققت، لن تكون هي النظرة التي كانت قائمة قبل انطلاق السباق، فالسيناتورة كورتيز انتزعت مقعدها من مرشح جمهوري كان الرئيس السابق يدعمه شخصياً وبكل قوة، والغالبية من المرشحين الجمهوريين الذين سقطوا أمام مرشحين ديمقراطيين، كانوا يخوضون السباق بتأييد، وتشجيع، من ترمب أيضاً.
وهذا معناه أن تساؤلات جادة سوف تكون مطروحة، عما إذا كان الرجل لا يزال يملك التأثير الذي لم يتوقف عن الترويج له، منذ أن غادر البيت الأبيض. ومعناه كذلك أن ظلالاً من الشك ستكون حاضرة حول مدى قدرته على حسم السباق الرئاسي في 2024 إذا قرر أن يخوضه. ومعناه للمرة الثالثة أن تفكيراً داخل الحزب الجمهوري سيدور عما إذا كان ترمب لا يزال هو الحصان الرابح في السباق الرئاسي المقبل، أم أن حصاناً جمهورياً آخر يتعين الرهان عليه. هذا وجه واحد من وجوه التساؤل الذي تثيره الحصيلة الديمقراطية في مجملها، والوجه الآخر هو عن عدم قدرة إيلون ماسك، مالك منصة «تويتر» الجديد، على التأثير لمصلحة الجمهوريين في السباق. فهو قد غرد لمصلحتهم علناً، ودعا الناخبين إلى التصويت في صندوق الاقتراع لمصلحة كل مرشح جمهوري، وكان ذلك من دواعي الدهشة لدى كل متابع، ولكن الدهشة الأكبر كانت من أن دعواته لم تصب في الكأس الذي قصده، ولا حققت ما كان يخطط له.
كان ترمب قد أظهر ارتياحه بعد استحواذ ماسك على المنصة، وكان بايدن في المقابل قد وصفها بأنها منصة للأكاذيب، وكان مالكها الجديد قد أراد بدعوته من خلالها لانتخاب الجمهوريين أن يثبت للديمقراطيين أنها ليست كما يصفها بايدن، ولكنه لم يفلح فيما أراد إثباته. ومن قبل، كان ترمب قد وظف المنصة لتحقيق فوزه في سباق 2016 الرئاسي، ثم وظفها في كل مناسبة احتاج فيها إلى حشد الجمهور وراءه، فلما حرض الجمهور نفسه من فوقها على اقتحام مبنى الكونغرس في السادس من يناير (كانون الثاني) 2021، أخرجته المنصة من جنتها، وبقي خارجها وحيداً يحلم باليوم الذي يعود فيه إليها. فماذا حدث في المزاج الأميركي السياسي، حتى يعجز ترمب عن التأثير إلى هذا الحد، من خلال منصته الخاصة التي كان قد أطلقها بديلاً مؤقتاً يغرد من فوقها؟ وماذا حدث حتى يعجز صاحب «تويتر» ذاته عن فعل شيء كبير للجمهوريين بتغريدته الصريحة؟!
هذا سؤال سينشط الجمهوريون في البحث عن إجابة له.
ولا تخلو الحصيلة من وجه ثالث يظل أيضاً مثيراً للتأمل وكاشفاً، وهو وجه يتصل بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يبدو كأنه انتكس في جانب محدد يخصه في الانتخابات الأميركية، ربما كما انتكست قواته في منطقة خيرسون الأوكرانية في التوقيت ذاته.
فلا شك في أن بوتين كان يرغب في هزيمة للديمقراطيين أمام الجمهوريين؛ لأن علاقة روسيا بالولايات المتحدة أيام الجمهوريين كانت أفضل بالتأكيد، ولأن علاقته بترمب في زمانه كانت أحسن من علاقته ببايدن في أيامه، ولأن الرئيس الأميركي السابق قال أكثر من مرة، إنه لو كان في الحكم ما كانت الحرب الروسية على أوكرانيا قد قامت من الأساس. وفي أيام سباق ترمب مع هيلاري كلينتون نحو البيت الأبيض، كان كلام قوي قد قيل عن تدخل روسي إلكتروني في الانتخابات لمصلحة المرشح الجمهوري، فلماذا لم تتدخل موسكو هذه المرة لمصلحة الجمهوريين في مجلس الشيوخ على سبيل المثال؟ أم أن حكاية التدخل الروسي ضد كلينتون غير صحيحة في الحقيقة، ولا أصل لها، على الرغم من كثرة ما قيل حولها؟! لقد حشد ترمب وراء الجمهوريين في انتخابات الكونغرس، وكان أمله أن نتيجتها ستحمله إلى البيت الأبيض مرة ثانية، ولكن يبدو أن تقديره في هذه المرة لم يكن مثل كل المرات، وأن ممارساته في الحشد، وفي محاولات العودة للحكم قد زادت عن حدها، ثم بالغت في الزيادة، فاستفزت غالبية الناخبين، وكانت من نوع الشيء الذي إذا زاد على حده انقلب إلى ضده.