سليمان جودة
التقيت مصريين كثيرين فى لندن بعد حادث الطائرة، وكان القاسم المشترك الأعظم بينهم، دون اتفاق، هو عدم الرضا عن المؤتمر الصحفى الذى عقده وزير الطيران بعد الحادث، وكان رأيهم أن مبادرة الوزير بعقد المؤتمر، بعد سقوط الطائرة، بساعة أو ساعتين، شىء جيد فى حد ذاته، ولكن غير الجيد جاء فى الجدل الطويل الذى دار بين الوزير والذين كانوا يسألونه، حول موضوع، لم تكن هناك أى معلومات متاحة عنه بعد!
فى مثل هذه الحالات يتصرف المسؤولون فى الغرب بطريقة مختلفة، فيخرج عن المسؤول المختص بيان موجز يستند إلى المعلومات المتاحة عن الموضوع، قبل أن يستند إلى أى شىء آخر، مع وعد بصدور بيان جديد، فى حالة ورود أى معلومة جديدة!
عندنا، كان الوزير شريف فتحى، يجادل الصحفيين فى تفاصيل ليست هى التى يجب لمتابعى الحدث، من خارج مصر، أن يسمعوها، وكانت الترجمة إلى اللغات الأجنبية لكلامه، وأسئلة الزملاء فى الصحف المصرية، لا وجود لها، وكان إذا سأله مراسل أجنبى، فإنه كان يؤجله إلى آخر المؤتمر، وفى لحظة من اللحظات، بدا للذين يتابعون وقائع المؤتمر من الخارج، أن كل مراسل أجنبى حضر لقاء الوزير كان مثل الأطرش فى الزفة!
إن علينا أن نتأمل الطريقة التى يتصرف بها الفرنسيون، باعتبارهم شركاء فى المأساة، لأن الطائرة أقلعت من مطارهم الأشهر.. مطار شارل ديجول!
فوزير خارجيتهم قال إنه لا معلومات حتى هذه اللحظة.. أى حتى أمس.. ترجح فرضية بعينها على غيرها من الفرضيات فى حادث السقوط، وأنه لا شىء يرجح العمل الإرهابى، مثلاً، على غيره من الاحتمالات، لأن ترجيح احتمال على آخر يقتضى وجود معلومة مؤكدة، وهو ما لم يحدث.. فالمعلومات هى التى تحسم، ولا شىء غيرها.
ولأنهم يبحثون عن المعلومات الموثقة، لا عن شىء آخر، فالحاصل عندهم حالياً هو تفريغ 9 آلاف كاميرا فى المطار، ومراجعة محتوياتها ليروا منها، ومنها وحدها، ما إذا كان أحد قد صعد الطائرة بمادة مفجِّرة أم لا؟!
هكذا تصرف الناس بمسؤولية، وهكذا يحترمون عقول متابعى القصة كلها، سواء كانوا من أسر الضحايا الفرنسيين، أو غير الفرنسيين، وسواء كانوا من الرأى العام فى عمومه، الذى يتابع دون أن يكون طرفاً مباشراً فى الحكاية.
ولا أحد يعرف من أين جاءت شبكة «سى إن إن» التليفزيونية الأمريكية بكلامها عن صدور إنذارات بانبعاث دخان على الطائرة قبل سقوطها، فالمفروض أن تكون معلومة كهذه خارجة عن مصدر مؤكد ومعلوم، وألا يكون الأمر مجرد ما تقوله الشواهد، كما ذكرت الشبكة الأمريكية!
ثم إن علينا أن نقطع الطريق على كل هذه الاجتهادات الإعلامية، التى تضر أكثر مما تنفع بكثير، والتى قد يجرى تسريبها لأهداف تضر بنا فى النهاية، ولابد أن قطع الطريق عليها يكون ببيان يصدر يومياً، أو حتى كل عدة ساعات، عن وزارة الطيران، مخاطباً أجهزة الإعلام فى الخارج، قبل أن يخاطبنا نحن، ومحتوياً على كل ما هو جديد، ومراعياً الدقة الكاملة فيما يذكره.. وسائل إعلام الخارج تريد أن تروى عطش جمهورها، وإذا لم تجد عندنا ما تروى به عطشها، فإنها تؤلف، وتخمن، وتجتهد، ولا يكون ذلك مفيداً لنا فى كل الأحوال.. فلنتصرف بمسؤولية ونتكلم بالمعلومات وحدها!