بقلم: سليمان جودة
الناخب في بلد مثل بريطانيا هو السيد الحقيقى، ولأنه كذلك، فهو قادر على أن يذهب بأى رئيس وزراء منتخب في أي وقت ليأتى بآخر في مكانه!.. وهذا هو ملخص ما جرى هناك قبل يومين، وما عدا ذلك يظل في حساب التفاصيل!.
فمن بين التفاصيل أن بوريس جونسون، رئيس حكومة حزب المحافظين الحالية، كان قد جاء إلى الحكم خلفًا للسيدة تريزا ماى، التي كانت قد استعانت به وزيرًا للخارجية!.. ولكن الحزب طردها من ١٠ داونينج ستريت، حيث المقر العتيق للحكومة، واستدعى «جونسون» ليدخل المقر على حصان أبيض في يوليو ٢٠١٩!.
وكان الرجل يعرف بالتأكيد أن الناخب الذي جاء به يستطيع إذا شاء إنزاله من فوق الحصان الأبيض، ليلحق بآخرين من رؤساء الحكومات الذين سبقوه إلى الموقع ثم غادروا!.
وفى انتخابات المحليات التي جرت الخميس الماضى، خسر «جونسون»، أو بالأدق خسر حزب المحافظين الذي يحكم باسمه، كما لم يخسر من قبل، وسقط سقوطًا جعله يخرج من دوائر انتخابية كانت معقلًا من معاقله على مدى سنوات طويلة.. وكان السؤال ولا يزال هو: لماذا؟!.
وإذا ما تذكرنا أن «جونسون» خضع للتحقيق طوال الأيام الماضية، اكتشفنا على الفور أن هذا التحقيق كان هو الطريق إلى السقوط.. والعجيب أن التحقيق لم يكن بسبب شىء من الأشياء الضخمة التي تعصف في العادة بالحكومات في العالم، كأن يكون رئيس الحكومة قد تورط مثلًا في فساد كبير، أو يكون قد أحدث عجزًا ظاهرًا في موازنة الدولة، أو يكون قد أهمل عن قصد في أمر يتصل بصحة المواطنين.. لا.. لم يكن شىء من هذا كله هو السبب، ولا كان حتى يشبه هذه الأسباب!.
السبب أن «جونسون» خالف قواعد التباعد الاجتماعى أثناء حظر كورونا في ٢٠٢٠!!.. نعم هذا هو السبب. إنه زلّة من زلّات الخطأ التي تشبه زلّات اللسان، ومع ذلك، فمثل هذه الزلّات لا يسامح عليها الناخب ولا يغفر، ولكن يحاسب سياسيًّا كأشد ما يكون الحساب!.
وفى الوقت الذي يتراجع فيه حزب المحافظين الحاكم، يتقدم حزب العمال الذي يجلس في مقاعد المعارضة، ومعه يتقدم الحزب الليبرالى وحزب الخضر.. وليس سرًّا أن الحزب الليبرالى وحزب الخضر يحكمان حاليًا في ألمانيا، ومن الوارد أن تتكرر تجربتهما في بريطانيا!.. فمخالفة قواعد التباعد ليست السبب الوحيد للغضب الشعبى على «جونسون»، وإنما إلى جوار ذلك أسباب أخرى، في المقدمة منها أن خروج البريطانيين من الاتحاد الأوروبى كان على يديه، ومع مرور الوقت يكتشف بريطانيون كثيرون أن الخروج لم يكن قرارًا صائبًا.. ولا تزال أسباب الغضب تتجمع في سماء البلاد، ومن الجائز أن تمطر في أي لحظة لأن انتخابات المحليات كانت أول الغيث!.. ولأن لندن من بين العواصم الأهم في الدنيا، فالغضب فيها لابد أن يكون له صداه في باقى العواصم!.