بقلم - سليمان جودة
فكرت فى موضوع الضريبة العقارية من زاوية مختلفة.. فكرت فيه من زاوية الجمهورية القوية التى نطمح إلى إقامتها على أرضنا بعد ثورتين اثنتين.. فكرت فيه من الزاوية التى كان أفلاطون، فيلسوف اليونان الأكبر، يتطلع من خلالها إلى جمهوريته الشهيرة!
كان تقديره أن الجمهورية القوية لا يمكن أن تقوم، ولا أن يكون لها وجود حقيقى، إلا إذا كان مواطنوها أنفسهم مواطنين أقوياء.. كل مواطن على مستواه.. وإلا إذا كان مواطنوها قادرين، أصحاء، متعلمين، أصحاب عقول جرى التأسيس لها، والإنفاق عليها!.. وأيضاً كل مواطن هنا على حدة.. فالجمهورية فى النهاية هى حاصل جمع عدد مواطنيها، وكذلك حاصل جمع قوة كل واحد فيهم على كل مستوى!.. الدولة، أو الجمهورية، ليست إلا أنت، وهو، وهى، وأنا.. وإذا كنا جميعاً على درجة ملحوظة من القوة بكل المعايير السابقة، فالدولة بالضرورة قوية.. والعكس صحيح تماماً!.
والسؤال هو: لمصلحة مَنْ إنهاك المواطن إلى هذا الحد غير المسبوق؟!.. لمصلحة مَنْ إرهاقه يوماً بعد يوم، برسوم جديدة، وضرائب جديدة، وارتفاعات فى الأسعار جديدة، لا تتوقف على مدار الساعة؟!.. لقد وصل الأمر الى حد أنك إذا رحت تسأل عن سعر سلعة من السلع اكتشفت أن سعرها اليوم ليس هو سعر أمس، بالمعنى الحرفى لكلمة أمس، ولا هو سعر الغد، بالمعنى الحرفى لكلمة الغد!. بل إن السعر يمكن أن يتغير خلال اليوم نفسه، فتشترى السلعة نفسها بسعر فى المساء، غير سعرها فى الصباح!.
وعندما تتأمل الوجوه من حولك، فى أى مكان، سيتبين لك أن القاسم المشترك الأعظم بين الوجوه، أنها مُرهقة، مُنهكة، مُتعبة، ممتلئة بملامح المعاناة!.
والأكيد أن كل مواطن مدعو إلى أن يكد، ويعمل، ويسعى، ويتعب، ليكسب قوت يومه.. هذا لاشك فيه.. ولكن هناك فرقاً بالتأكيد أيضاً، بين أن يكد، ويعمل المواطن، ويسعى، ويتعب، وبين أن يستيقظ فى معاناة، وينام فى المعاناة نفسها.. هنا لا نكون أمام شخص قادر على المساهمة فى بناء بلد.. بل أمام شخص عبء على بلد.. شخص ليس لديه ما يقدمه لبلده، فى وقت يظل البلد أحوج ما يكون إلى جهد كل فرد فيه!.
تشعر وأنت تستعرض سلسلة من الإجراءات المتتالية، التى ترتب أعباء مضافة على كل مواطن، أن الهدف ليس تحصيل رسوم أو ضرائب من جيبه.. فلا أحد ضد الرسوم والضرائب إذا كانت عادلة.. لا أحد.. لكن الهدف يبدو وكأنه إنهاك المواطن.. والمواطن المُنهك لا يمكن أن يقيم دولة.. لا يمكن.. وهذا ما يخيف حقاً!.
نقلًا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع