توقيت القاهرة المحلي 22:01:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لو يراعي القيصر فروق التوقيت!

  مصر اليوم -

لو يراعي القيصر فروق التوقيت

بقلم:سليمان جودة

جرت العادة في شهر رمضان من كل سنة، أن يستمع الذين ينتظرون أذان المغرب في مصر، إلى عبارة تقليدية يخاطب بها المذيع مستمعيه في الإذاعة قبل الأذان مباشرة. تقول العبارة: «حان الآن موعد أذان المغرب، حسب التوقيت المحلي لمدينة القاهرة (أي المدينة التي تبث منها الإذاعة برامجها) وعلى السادة المقيمين خارجها مراعاة فروق التوقيت».

والمعنى المباشر أن هناك فروقاً في التوقيت بين مرسى مطروح – مثلاً - في أقصى غرب البلاد، ومعها أسوان في أقصى الجنوب، وبين القاهرة التي هي أقرب للشمال، وهي فروق بالدقائق المعدودة بين المدن الثلاث، ولكن لا سبيل أمام الصائم سوى مراعاتها؛ لأن التوقيت الذي يفطر عليه صائم العاصمة، ليس هو التوقيت الذي لصائم مطروح أو أسوان أن يفطر عليه.
والمعنى أيضاً أن اللحظة التي يجوز فيها تناول الإفطار في قاهرة المعز، لا يجوز الإفطار فيها هي نفسها في مدينة أخرى من مدن البلد، حتى ولو كانت المدينتان تنتميان إلى بلد واحد!
والغالب أن كثيرين ممن يسمعون مثل هذه العبارة في الراديو، لا يتوقفون عندها كثيراً، ولا حتى قليلاً، ولكن هذا لا ينفي ضرورتها كعبارة، ولا ينفي أن الذين لا يراعون فروق التوقيت سوف يقعون في خطأ، وأنهم سيتحملون المسؤولية الشخصية أمام أنفسهم عن ارتكاب هذا الخطأ؛ لأن الجهة المسؤولة لم تقصر، ولأنها أذاعت على الهواء مباشرة ما لا بد من مراعاته عند تناول الإفطار.
والمعنى الأشمل في الموضوع أن الإفطار هو في النهاية فعل، وأن هذا الفعل له توقيت يتم فيه ليكون صحيحاً، وأن خروج الفعل عن توقيته الدقيق، سواء كان إفطاراً في رمضان أو كان شيئاً آخر، يحوله من فعل صحيح إلى فعل آخر يجري خارج سياق زمانه!
وعندما وقع اغتيال الرئيس السادات في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) 1981، ذهب الناشر أحمد يحيى يزور أنيس منصور في مكتبه.
وقد سمعت من الناشر - يرحمه الله - أنه زار منصور ليصارحه بأنه كان أقرب الصحافيين من السادات خلال سنواته الأخيرة، وأن ذلك يرشحه ليكون صاحب أهم كتاب عن السادات، وأن عليه منذ اللحظة أن يجلس ليضع هذا الكتاب، وألا يتباطأ أو يتأخر!
كان يحيى قد نشر من قبل كتاب «البحث عن الذات» للسادات، وكانت دار النشر التي يملكها هي صاحبة حقوق نشر الكتاب كاملة، وكانت الدار قد نقلته إلى ثلاثين لغة حول العالم، وكان الكتاب سيرة ذاتية مشوقة، كتبها صاحبها بقلمه عن حياته كلها. وكان الناشر يأمل أن يضع إلى جوار السيرة كتاباً آخر عن الرجل، ولكن بقلم أنيس منصور هذه المرة! ولكن أنيس منصور ترك الناشر المتحمس جداً يقول كل ما عنده، ثم خاطبه في هدوء قائلاً: «تجب مراعاة فروق التوقيت»!
وكان المعنى أن ما لديه كصديق كان مقرباً من السادات، يحتاج إلى توقيت مناسب يقال فيه، وأن هذه اللحظة التي جاء الناشر يكلمه فيها، ليست هي هذا التوقيت المناسب، وأنه لا حل أمامهما غير أن ينتظرا، لعل لحظة التوقيت المناسب تجيء.
ومن بعدها كنت ألتقي أحمد يحيى كثيراً، وكانت فروق توقيت أنيس منصور حكاية حاضرة في كل لقاء بيننا تقريباً، وكان هو كناشر يرى أن منصور قد أضاع فرصة من النادر أن تتكرر في حياة كاتب مثله، ولم يكن يهضم موضوع فروق التوقيت ولا يستوعبه، وكان يتصور أن أي كاتب آخر في مكانه كان سينتهز الفرصة ويكتب عن السادات ما لم يكتبه أحد!
وكان كلاهما على صواب في مبرراته التي يقولها ويذكرها، ولكن عقلية الناشر في مثل هذه الحالة تختلف بالتأكيد عن عقلية الكاتب، فما يراه أحدهما في القضية ذاتها لا يراه الثاني؛ لأن أحدهما يفكر بشكل سياسي، بينما الآخر عقليته تجارية بطبيعتها، فضلاً على ما كان يؤمن به ويراه من أفكار فيما ينشره.
وفي مرة قابلت أنيس منصور، وسألته عن فروق التوقيت، فقال ما معناه أن ذلك قد حدث بالفعل بينه وبين الناشر، وأن القصة كلها كانت أن فيما سيكتبه عن السادات أشياء كان حسني مبارك طرفاً فيها، وأنه قد حاول استئذان مبارك في كتابة هذه الأشياء، ولكن في كل مرة كان حسني مبارك يستمهله، ويطلب منه أن ينتظر، وألا يتعجل في كتابة ما يعرفه.
وكأن مبارك كان هو أيضاً يخاطب أنيس منصور في كل مرة ذهب يستأذنه فيها، ولسان حاله يقول: تجب مراعاة فروق التوقيت!
شيء من هذا كله سوف تجده في الخلفية مما يدور في الوقت الراهن، من حرب روسية أوكرانية فوق الأراضي الأوكرانية، منذ أن اجتاحت قوات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أرض أوكرانيا المجاورة، في الرابع والعشرين من الشهر الماضي.
وسوف تجده على وجه التحديد في شخصية الرئيس بوتين، وكذلك في قناعاته السياسية التي لا يخفيها، والتي لم يجد حرجاً في الإعلان عنها مرة تلو أخرى. إنه يجلس على رأس دولة تتمدد على مساحة تصل إلى 17 مليون كيلومتر مربع، وهي مساحة تصل إلى ضعف مساحة الولايات المتحدة نفسها تقريباً، ومع ذلك فإنه لا يداري حنينه؛ ليس فقط إلى الاتحاد السوفياتي السابق الذي نام في أيامه على 24 مليون كيلومتر مربع، وإنما يحن الرجل إلى أيام روسيا القيصرية السابقة على الاتحاد السوفياتي السابق ذاته!
ولا مشكلة طبعاً في أن يحن رجل مثله إلى ما يحب ويشاء، ولكن الحنين السياسي في مثل حالته مرهون بعوامل كثيرة، ليس أولها ما إذا كانت إمكاناته القائمة تسعفه أو لا تسعفه فيما يحن عقله إليه، ولا آخرها ما إذا كانت الظروف التي يعيشها تطاوعه أو لا تطاوعه.
ومن الواضح أن إمكاناته تسعفه؛ لأن رجلاً بعقليته وبخلفيته العملية، لا يمكن أن يتخذ قراراً باجتياح دولة جارة، إلا إذا كان قد أحضر ورقة وقلماً ثم جلس وحسبها!
ولكن القضية الأهم بالنسبة له هي في الأرض التي سيكون عليه أن يتحرك فوقها؛ سواء كانت هذه الأرض أرضاً بالمعنى المادي للكلمة، أي الأراضي الأوكرانية إلى جوار بلاده، وما إذا كانت حركته عليها ستكون سهلة أم صعبة! وسواء كانت أرضاً بالمعنى السياسي، أي البيئة الدولية التي سيكون عليه أن يتعامل معها وهو يقود قواته في اجتياحها، وما إذا كانت بيئة حليفة ومساعدة، أم ستكون بيئة رافضة ومعاكسة!
هذه هي الفكرة كلها في حنينه إلى أيام الاتحاد السوفياتي السابق مرة، ثم إلى زمن روسيا القيصرية مرة ثانية، ففي المرتين سيكون عليه أن يراعي فروق التوقيت. وحين تعود قواته إلى قواعدها قبل الاجتياح، أو حين تصل هذه الأزمة إلى نهايتها، فسيتبين تماماً وقتها ما إذا كان قد راعى ذلك بالفعل، أم أن هذه الفروق لم تكن في اعتباره ولا في حسابه.
هناك فروق توقيت بين العصر الذي نعيشه والعصر الذي قام فيه الاتحاد السوفياتي السابق، إلى أن اختفى، ثم هناك فروق توقيت بين العصرين وزمن روسيا القيصرية في أيامها، وهذا كله لا بد أنه كان يشغل بال الرئيس الروسي منذ دخل الكرملين، ولكن المشكلة ليست فيما شغله ويشغله، ولكنها فيما يعمله ويفعله!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لو يراعي القيصر فروق التوقيت لو يراعي القيصر فروق التوقيت



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 18:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
  مصر اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 17:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الإجازات الرسمية في مصر لعام 2025 جدول شامل للطلاب والموظفين
  مصر اليوم - الإجازات الرسمية في مصر لعام 2025 جدول شامل للطلاب والموظفين

GMT 09:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 05:09 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تعرف على أبرز وأهم اعترافات نجوم زمن الفن الجميل

GMT 15:04 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

طريقة إعداد فطيرة الدجاج بعجينة البف باستري

GMT 00:45 2024 الأربعاء ,07 آب / أغسطس

سعد لمجرد يوجه رسالة لـ عمرو أديب

GMT 11:04 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

منة فضالي جمهورها بمناسبة عيد الأضحى

GMT 20:31 2021 الثلاثاء ,01 حزيران / يونيو

وادي دجلة يكشف خطة الفريق للبقاء في الدوري الممتاز

GMT 09:26 2021 الأربعاء ,12 أيار / مايو

"الفيفا" يعلن مواعيد مباريات تصفيات كأس العرب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon