بقلم:سليمان جودة
هل هي صدفة أن تكون كلمة «تونس» هي القاسم المشترك الأعظم في أسماء خمسة أحزاب تونسية، تتنافس جميعها هذه الأيام في السباق إلى قصر قرطاج؛ حيث يقع مكتب الرئيس، ثم في السباق إلى قصر القصبة؛ حيث يقع مكتب رئيس الحكومة؟!
ليست صدفة طبعاً، فالسباق في ذروته، وكل حزب يتصور أن وجود هذه الكلمة بالذات في اسمه، يمكن أن يكون مغرياً للناخب، ويمكن أن يخاطب مزاجه سياسياً على نحو مختلف، ويمكن أن يضرب على وتر حساس لديه، ويمكن أن يحرضه ويحركه في طريق التصويت!
ولأن المواطن يزداد تمسكاً بوطنه في أوقات الأزمات، فربما يكون رحيل الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، قد جاء وقوداً مضافاً في هذا الطريق، فعندما دخل الرئيس الراحل المستشفى في الشهر قبل الماضي، تزامناً مع وقوع عمليتين انتحاريتين في اليوم ذاته، استشعر التونسيون خطراً مضاعفاً؛ مرة من مخاوف غياب رأس الدولة، ومرة من عواقب عودة الإرهاب ليطل برأسه من جديد!
وقد كان استشعاراً للخطر في محله، فالتاريخ الذي كان الرجل يحمله على ظهره، عبر تسعة عقود من الزمان، منها سبعة من العمل السياسي الوطني المتصل، جعلته بمثابة الأب بالنسبة للتونسيين في العموم، أكثر منه رئيساً للبلاد، ورفيقاً من رفاق الحبيب بورقيبة!
أما الأحزاب الخمسة، فهي حزب «نداء تونس»، الذي أطلقه السبسي في 2012، وخاض به انتخابات 2014 على مستوى الرئاسة ومستوى البرلمان، ففاز فيهما معاً، وقضى سنوات خمساً يرأس البلاد في ظرف سياسي غاية في الحرج!
ثم حزب «تحيا تونس»، الذي دعا إلى تأسيسه يوسف الشاهد، رئيس الحكومة، وقد كانت مدينة المنستير مقراً انطلق منه الحزب الجديد قبل أسابيع من الآن، وكان اختيار هذه المدينة دون غيرها مقصوداً بطبيعة الحال، فهي المدينة التي كانت مسقط رأس الحبيب بورقيبة، وهي التي إلى اليوم تحتضن متحفاً يضم أشياءه الخاصة، من البدلة البيضاء التي اشتهر بها، إلى القبعة التي كانت من بين لوازمه في فترة من الفترات، إلى نظارته، إلى عصاه التي عاش سنواته الأخيرة يتوكأ عليها!
وليس سراً أن السبسي لما فكر في إعلان نيته عدم الترشح في السباق الرئاسي المقبل، اختار المنستير كذلك، ومنها أعلن في ربيع هذا العام، أنه لن يخوض المعركة من جديد. فالمنستير لا تزال تعرف رائحة بورقيبة في سمائها، ولا تزال هذه الرائحة تجد طريقها إلى وجدان كل تونسي، ولا يزال جهاد الحبيب من أجل أن تكون في تونس دولة حديثة، ومن أجل أن يكون فيها تعليم جيد، ومن أجل أن تكون فيها امرأة تنال حقوقها الطبيعية، لا يزال كل هذا منقوشاً في وجدان تونس العام!
ولذلك، لاذ الشاهد بالمدينة عندما فكر في إطلاق حزبه الجديد، ولجأ إليها السبسي عندما قرر أن يقدم للشعب ما يشبه فاتورة الحساب عن مجمل المشوار!
وأما الحزب الثالث الذي يعزف على النغمة التونسية نفسها، فهو حزب «قلب تونس»، الذي يرأسه رجل الأعمال نبيل القروي، صاحب إحدى القنوات الفضائية المثيرة للجدل فيما تبثه وتذيعه، وصاحب العلاقات القوية مع رجال مال وأعمال في المنطقة وخارجها!
والحزب الرابع هو حزب «مشروع تونس»، الذي يتولاه محسن مرزوق، الوزير والمستشار السابق في رئاسة الجمهورية، ولا بد من أن استناد الاسم على كلمة مشروع، مقرونة بكلمة تونس، يعني أنه حزب يزعم أن عنده ما يخاطب به المستقبل، من فوق أرضية فكرية جهزها وهيأ لها!
والحزب الخامس والأخير هو «حراك تونس»، الذي يبدو من مجرد اسمه أنه يجعل من الثورة التي انطلقت في البلاد في غمرة ما لا يزال يتسمى الربيع العربي، ومن الحراك المجتمعي الذي صاحبها، حائطاً يستند إليه، ومنصة يتوجه بالكلام إلى ناخبيه من فوقها!
هذه هي الأحزاب الخمسة التي اعتمدت اسم البلد في أسمائها المرفوعة على أبواب مقراتها. والمؤكد أن «نداء تونس» هو أشهرها، ومن الجائز ألا يكون في هذه اللحظة أقواها، فلقد كان أقواها بالتأكيد يوم فاز في انتخابات الرئاسة وفي انتخابات البرلمان، وربما يكون فوزه في الاستحقاقين هو الذي هيأ لآخرين، أن جانباً من الفوز كان عائداً إلى طبيعة التركيبة في اسمه، فراحوا يتسابقون في المضمار ذاته، إلى أن صاروا خمسة يرفعون لافتات متشابهة في سباق واحد!
وليس هناك استثناء في هذا الاتجاه بين الأحزاب ذات الوزن النسبي في الساحة السياسية، سوى حزب «حركة النهضة الإسلامية»، الذي يقوده راشد الغنوشي ورفاقه في الحركة، فالمرجعية في اسمه تبدو مختلفة، وهي مرجعية إسلامية تتماثل مع المرجعية التي يعتمدها لنفسه حزب «العدالة والتنمية» في المغرب!
وأياً كانت المرجعيات التي يعتمدها كل حزب في ورقة تأسيسه، أو حتى في اسمه الظاهر أمام الناخبين، فلا أحد يستطيع أن يدعي القدرة على معرفة حظ كل مرجعية من الأصوات، في الاستحقاقين المقبلين على مستوى الرئاسة والبرلمان. وهناك عدة أسباب لذلك، منها أن رحيل الباجي قايد السبسي قد أعاد ترتيب الحظوظ، ولم يعد حظ «نداء تونس» حالياً كما كان في وجود الرئيس الراحل، الذي كان مجرد وجوده سيمثل دعاية مجانية لمرشح «النداء» الرئاسي والبرلماني على حد سواء!
ومنها أن تقديم موعد الانتخابات الرئاسية من 17 نوفمبر (تشرين الثاني) إلى 15 سبتمبر (أيلول)، قد خصم شهرين من الفترة الزمنية التي كانت مقررة لها سلفاً، فكأن كل مرشح في السباق قد صار مدعواً إلى أن ينجز في يوم واحد مع ناخبه، ما كان أمامه أن يتواصل به مع الناخب في يومين!
ومنها أن مدة الدعاية الانتخابية قد جرى تقليصها من ثلاثة أسابيع إلى 13 يوماً، وهي مدة لن تسعف أي مرشح في التواصل الهادئ مع ناخبيه!
ومنها أن رحيل السبسي ربما فتح شهية «حركة النهضة» على الرغبة في مزيد من الاستحواذ، وهي رغبة كانت قد ظهرت من جانبها مرتين في الأمد القصير المنظور؛ مرة عندما راحت تغري الشاهد بالانشقاق على «النداء»، بما أعاد ترتيبه في البرلمان من حيث عدد مقاعده، فأصبح الثالث متأخراً عن «النهضة» وعن حزب رئيس الحكومة معاً، بعد أن كان الأول بلا منازع، ومرة عندما أعلن الغنوشي ترشيح نفسه في سباق البرلمان، على أمل أن يرأسه إذا فاز حزبه، أو يشكل الحكومة في أقل القليل!
غياب الرئيس في هذه اللحظة أعاد ترتيب حظوظ الساسة لدى الناخبين، وجعل الخريطة السياسية تتشكل من جديد، فتتغير ملامحها وتتبدل معالمها، انتظاراً ليوم الحسم في منتصف الشهر المقبل!