بقلم - سليمان جودة
رغم مرور أيام على واقعة رجل الأعمال الإماراتى خلف الحبتور فى القاهرة، إلا أنها لاتزال تشغلنى جداً، ولا تزال تملأ تفكيرى، لأن الشارع عندى هو عنوان أى بلد، ولأنك من مجرد نظرة عابرة على الشارع، وعلى شكله، وعلى سلوك الناس فيه، تستطيع أن ترى إلى أى مدى ينتمى الفرد فيه إلى العصر، وأين بالضبط يقف هذا الفرد عند المقارنة بينه وبين سائر الأفراد فى باقى الدول!
فالحبتور كان فى زيارة إلى قاهرة المعز، ولم يحتمل منظر وجود أكوام القمامة على أرصفة مصر الجديدة، فراح يلتقط صوراً لما رآه، وراح ينشرها على حسابه على تويتر، وراح يكتب تحتها هذه العبارة: القاهرة هى المدينة الغالية على قلبى، وأغار عليها مثل غيرتى على وطنى الإمارات، لكن وجود القمامة بشوارعها أمر غير مقبول دينياً ولا إنسانياً!
وعندما وصلت الصور إلى وزارة البيئة، تحركت الوزيرة الدكتورة ياسمين فؤاد، وتواصلت مع هيئة النظافة والتجميل فى القاهرة، وتم رفع القمامة التى أشار إليها الرجل!
وإذا كان هذا قد حدث فى حى مصر الجديدة الراقى، فإن للدكتورة ياسمين أن تتصور الحال فى شوارع الأحياء الشعبية، أو حتى فى الأحياء الأقل رقياً من مصر الجديدة، والغريب أننا لم نسمع بعد الواقعة عن أى أجراء جرى اتخاذه مع المسؤول عن هيئة نظافة وتجميل القاهرة.. لم يحدث.. مع أن الصور التى نشرها الحبتور لم يكن الغرض منها مجرد التنبيه لرفع أكوام القمامة التى صادفته فى طريقه، ولكن الهدف كان لفت الانتباه إلى أن فى عاصمة البلاد هيئة مسؤولة عن نظافة وتجميل العاصمة، وأنها لا تقوم بدورها المفترض، ولا تؤدى عملها، ولا تنهض بمهمتها، وأن أحداً لا يحاسبها، وأن حسابها واجب، حفاظاً على نظافة عاصمة كانت ذات يوم تنظف شوارعها بالماء والصابون، وكانت هى وباريس سواء!
والمسؤولية عن النظافة العامة لا تقع بالطبع على الحكومة وحدها، ولا على المحافظة بمفردها، ولا حتى على هيئة النظافة فى حدودها.. فهناك مسؤولية تقع على الناس أنفسهم، لأن هذه الأوراق المبعثرة بعرض الشارع، وهذه القمامة المتناثرة على كل رصيف، لم تقذف بها الحكومة، ولكن ألقاها مواطنون بلا ضمير، وتركها فى مكانها مصريون لا يغارون على بلدهم، بقدر ما يغار عليه خلف الحبتور!
وفى كل مرة أكون فيها فى عاصمة أوروبية، أقف لأتأمل منظر سيدة تحمل كيس قمامة بيتها، وتظل توزعها بحساب على الصناديق المخصصة لذلك على كل ناصية.. فالعلب الزجاجية فى صندوق.. والصفيح فى صندوق.. والورق فى صندوق.. وبقايا الطعام فى صندوق.. أقف وأقول لنفسى إن مثل هذه السيدة تلخص جوهر الفارق بينهم وبيننا فى مشهد واحد يتكرر منها ومن غيرها هناك تلقائياً!
نقلًا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع