بقلم : سليمان جودة
هذه الواقعة مجرد مثال، وهى تقول مع أمثلة أخرى من نوعها ومن غير نوعها، أن ما ذكرته فى هذا المكان صباح أمس الأول، عن موارد الدخل الهائلة التى لا تلتفت إليها الحكومة، لم يكن فيه شىء من المبالغة!
فالطبيعى أن الحكومة.. أى حكومة.. فى حاجة دائمة إلى موارد للإنفاق العام بكل أبوابه، وهى تستطيع أن تحصل على مواردها عن طريق فرض رسوم وضرائب جديدة، أو عن طريق التفكير بأسلوب مختلف فى تحصيل مستحقات الخزانة العامة لدى المواطنين!
والبديل الثانى هو الأفضل على الدوام، لأنه بديل جاهز أولاً، ولأنه يلفت نظر الحكومة إلى موارد قائمة بالفعل، ولكنها تحتاج فقط إلى عقل يعرف كيف يصل إليها!
وكنت قد ذكرت واقعة كان الدكتور محمد معيط شاهداً عليها فى لقاء عام، حين رواها صاحبها على مسمع من الوزير ومن اثنين من نوابه، وكانت الواقعة عن العوائق الكثيرة التى واجهها مواطن ذهب لسداد ما عليه من ضريبة عقارية للدولة!
ومما قلته إن الأمر لا يتوقف عند حدود الضريبة العقارية، وإنما يضم معها ملف تقنين الأراضى، وملف ضرائب أصحاب المهن الصناعية والتجارية، وملف كل موضوع آخر يتصادف أن يكون محل نزاع فى تقدير الرسوم المستحقة عليه، بين صاحبه وبين ممثل الدولة فى التحصيل!.. فهذه كلها ملفات يمكن أن تأتى بموارد هائلة للحكومة، فى وقت تبحث فيه هى عن أى باب جديد يمدها بما تحتاجه من موارد!
الواقعة الجديدة التى أعادتنى إلى الموضوع جاءت تفاصيلها فى رسالة من الأستاذ محمود الطنب، وفيها يقول إنه قبل زمن الموبايل كان يملك خطين للتليفون الأرضى فى منزله، وكان أحدهما باسم زوجته ففكر فى التنازل عنه، لأنه لم يعد فى حاجة إليه!
ذهب إلى السنترال ومعه بطاقة الرقم القومى الخاصة بالزوجة، وطلب التنازل عن الخط مع استعداده لدفع الرسوم المطلوبة ومعها الفواتير المتأخرة، ولكن موظف السنترال اشترط حضور الزوجة التى لم تكن قادرة لظروف صحية.. حاول الرجل مع الموظف مرة ومرتين وثلاثاً، ولكنه صمم وأصر على الرفض، فجاء موظف آخر سمع نقاشهما وهمس فى أُذن الأستاذ الطنب بأن يريح نفسه ولا يدفع شيئاً.. فالخط سوف يتم رفعه من الخدمة تلقائياً مع مرور الوقت، والفواتير المستحقة سوف تسقط أيضاً.. وهذا بالضبط ما حدث!!
إنها واقعة حية تنبه مَنْ يشاء فى الحكومة إلى أن شيئاً من التيسير فى تحصيل مستحقاتها، كفيل جداً بمدها بما تحتاجه من موارد، وبما يغنيها عن فرض رسوم جديدة على الناس!