بقلم : سليمان جودة
تعرف إسرائيل أن «الرسالة» التى يحملها الفن تظل باقية فى وجدان الناس، وهذا ما جعلها تسارع إلى الاعتراض على مسلسل «النهاية».. وتعرف تل أبيب أيضاً أن اعتراضها شديد اللهجة تحول إلى دعاية مجانية واسعة للمسلسل، وأنه دعا الذين لم يشاهدوه إلى مشاهدته مرة ومرتين!
ولن ينافس هذا المسلسل الرمضانى فى نسب المشاهدة العالية، إلا مسلسل «الاختيار» الذى يمس شيئاً فى أعماق المشاهد مساً مباشراً.. فالقصة فى حلقاته ليست من نسج الخيال، ولا هى حكاية من بنات أفكار مؤلف راح يتصور أحداثاً تجرى على الشاشة، ولكنها قصة رجل سقط شهيداً وهو يدافع عن أرض بلاده، إيماناً بها وبالقضية الوطنية فى العموم، فاستحق أن يعيش رغم الممات، واستحق كثيرون سواه أن يموتوا حتى ولو عاشوا بيننا يدبون فوق الأرض!
ولو أن سياسياً من الساسة العرب قد صرح بما جاء فى مسلسل النهاية، ما كانت الخارجية الإسرائيلية قد اهتمت بالموضوع، لا لشىء، إلا لأنها تدرك أن تصريح السياسى فى حالة كهذه سيُنسى فى اليوم التالى، ولكن الأمر فى الفن يختلف لأنه يبقى ولا يزول!
تعترض إسرائيل على إشارة المسلسل إلى أن الزمن وحده سوف يتكفل بها، وأنها لن تكون موجودة بعد مائة سنة من اليوم، وأن ذلك سيعود فى الغالب إلى قوانين الطبيعة التى تعمل على أساس أنه لا يصح فى غاية المطاف إلا الصحيح!
ولا بد أن الأستاذة فريدة الشوباشى هى أسعد الناس بالمسلسل، فما من مرة نلتقى فيها إلا وتعود لتؤكد أنها ترى نهاية إسرائيل كما ترانى، ولا تكتفى بذلك ولكن تراهن على ما تعتقده فى هذه المسألة، وتضيف أنها على يقين من كسب الرهان!
وربما لم يتوقع صانعو المسلسل أن يصل صداه إلى هذا الحد، ولكن الصدى وصل فى النهاية وصار حديثاً فى كل بيت، وقد حدث ذلك فى بلاد العرب وليس فى مصر وحدها.. وإذا كان هذا ينطوى على معنى، فهذا المعنى هو أن الفن عميق الأثر، وأن ما يذاع على الناس يجب ألا يخلو من قيمة إيجابية يروج لها العمل الفنى ويزرعها!
وحين يشكو الناس من شيوع أغانى المهرجانات ومعها كل فن هابط آخر، فالعيب ليس فى الذين يقدمون مثل هذا الفن المنحدر، ولا حتى فى الجمهور الذى يشاهد ويتابع، ولكن فى أن الدولة لا تبادر بتشجيع الفن الراقى، وصناعته، وترويجه على كل مستوى.. إنها نظرية الفراغ التى تجعل الهابط يتقدم ليملأ الفضاء إذا انسحب الجيد وانزوى، وسوف نجد فى أعمال رمضان ما يشير إلى هذا مرة ويرسخ له مرة ثانية!.