بقلم-سليمان جودة
الصدفة العجيبة وحدها هى التى ربطت بين رسالة من سطر واحد، جاءتنى من الدكتور عصام عبدالصمد، رئيس اتحاد المصريين فى أوروبا، وبين خبر مثير كان منشوراً بالبنط الكبير فى أكثر من صحيفة يومية، وبعضها كان ينشره فى صدر الصفحة الأولى!.
رسالة الدكتور عصام كانت تقول: لا نزال نحارب الإرهابيين، ولم نحارب الإرهاب بعد.. فالإرهاب يظل فكراً قبل أن يتجلى فى إنسان فرد!.
فى اليوم نفسه، وربما فى اللحظة ذاتها التى قرأت فيها رسالته، كنت أطالع الخبر الذى يقول إن السلطات المعنية فى مطار القاهرة قد استوقفت شاباً قادماً من الخارج، صباح الجمعة ١١ يناير، وأنها قد أعادته على الفور إلى خارج البلاد!.
الشاب اسمه محمود عبدالعزيز، ويبلغ من العمر ٢٤ عاماً، وكان قادماً من بلد عربى يدرس فى الجامعة الإسلامية فيه، حسب ما هو منشور، وهو يحمل الجنسية الألمانية، وقد بدا من خلال الحديث الذى جرى معه بعد استيقافه، أنه يتبنى قناعات يؤمن بها تنظيم داعش الإرهابى، وتبين أيضاً أنه كان يريد الانضمام إلى تنظيم ولاية سيناء، الذى بايع داعش ويتبعه، وقد كان قرار إعادته راجعاً إلى أنه لم يرتكب جريمة منصوصا عليها قانوناً، وأنه تنازل عن جنسيته المصرية!.
وقبل أيام من هذه الواقعة، كان مطار الأقصر على موعد مع واقعة أخرى تكاد تكون صورة بالكربون من واقعة الشاب عبدالعزيز، فالشاب الذى استقبله مطار الأقصر كان يحمل الجنسية الألمانية أيضاً، وكان يتبنى بعضا من أفكار داعش، وكان يريد الالتحاق بعناصره المتبقية فى سيناء، وقد جرت إعادته إلى بلد الجنسية!.
وعندما توضع الحالتان فى ضوء قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب سحب قوات بلاده من سوريا، وحديثه عن أن سبب القرار هو هزيمة داعش هناك، يتبين لك أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تواجه التنظيم بالجدية المطلوبة، وأن حديث رئيسها عن هزيمة داعش هو استخفاف بالعقول فى هذه المنطقة أكثر منه أى شىء آخر!.
فالشاب عبدالعزيز ليس بالتأكيد حالة فريدة من نوعه، وكذلك حالة الشاب الآخر فى الأقصر، ومن الطبيعى أن تكون هناك حالات أخرى لشبان آخرين كثيرين، يحملون الجنسية الألمانية أو يحملون جنسيات غيرها، ويمرون من مطارات بامتداد العالم، فإذا لم يتم ضبطهم كما جرى فى المطارين المصريين، مروا من أى مطار والتحقوا ببقايا التنظيم فى أى دولة!. وهذا يدعونا.. ويدعو غيرنا بالضرورة.. إلى ألا نصدق كلام ترامب بهذا الخصوص، وأن نعيد قراءة رسالة الدكتور عصام من جديد.. مرة، ومرتين، وثلاثاً، وعشرا.. فهى رسالة قصيرة عن قضية كبيرة، وهى حروف قليلة عن مسألة خطيرة.. والهدف أن نتصدى للاثنين معاً: الإرهاب والإرهابيين.. وأن نتجنب عواقب نظرية النهر الذى يصب فى البحر، فالأول لا يجف، والثانى لا يمتلئ!.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع