سليمان جودة
فى اجتماعه مع رئيس الوزراء، ووزيرة التعاون الدولى، قال الرئيس عبارة لابد أن نعيد تسجيلها هنا فى حسابه، ثم لابد أن أقول إنه يستحق عليها إشادة من كل مصرى.
قال الرئيس، ثم شدد، على أنه لا توقيع على أى قرض جديد، إلا بعد التأكد، مسبقاً، من قدرتنا على السداد.
ولست أريد أن أقول إنى ناديت بهذا مراراً، فى هذا المكان حتى أصابنى نوع من اليأس، وإنى منذ أن صارت الدكتورة سحر نصر وزيرة للتعاون الدولى لم أكن أغادر هذا الملف إلا وأعود إليه، وكنت ولاأزال أرجوها أن تكبح جماحها فى الاقتراض، وأن تكون على يقين من أن الذين يريدون إقراضنا بالمليارات، على يديها هذه الأيام، لا يحبوننا إلى هذا الحد، ولا يعنيهم إصلاح اقتصادنا إلى هذه الدرجة، وإلا.. لكانوا قد ساعدونا بوسائل أخرى، ليس من بينها القروض التى أفلست دولاً بامتداد العالم!
أما الشىء الذى أقلقنى حقاً فهو عبارة أخرى قالها الرئيس، فى الاجتماع نفسه.. قال: حتى ولو كانت نسبة الدين الخارجى، مقارنة بالناتج المحلى، لاتزال منخفضة، وفى حدودها الآمنة، وتقل كثيراً عن مثيلاتها فى عدد من دول العالم!
ومن الصيغة التى نقلت بها الصحف هذه العبارة الأخيرة للرئيس، نفهم أن الوزيرة كانت قد ذهبت إليه لتقنعه بأن نحصل على قروض أخرى، وأن نواصل سياسة الاندفاع غير المحسوب نحو الاقتراض، لأن نسبة الدين الخارجى، مقارنة بالناتج المحلى، فى حدودها الآمنة، ولأن.. ولأن.. إلى آخر المعانى المشابهة التى جاءت فى الصحف، نقلاً عن الاجتماع، لولا أن الرئيس، كما هو واضح من محتوى اللقاء، قد رد وزيرته فى لطف، ولكن بقوة، وأفهمها أن الحدود الآمنة التى جاءت تحكى له عنها ليست مبرراً أبداً لأن نندفع، ونقترض، بل هى مبرر للعكس!
إننى أتصور الرئيس وهو يتكلم مع الوزيرة، فى حضور رئيس الوزراء، بينما لسان حاله يقول لها إن الحدود الآمنة، فيما يتعلق بالدين الخارجى، وناتجنا المحلى، هى أدعى إلى أن نهدأ، وأن نفكر ألف مرة ومرة قبل أن نتجه للحصول على أى قرض، حتى لا تصل الأمور إلى الحدود غير الآمنة.. أتصور الرئيس وأتخيله وهو يشدد على مرأى من وزيرته للتعاون الدولى، ورئيس حكومته، على أنه لا قرض.. مرة أخرى لا قرض.. إلا إذا تأكدنا مقدماً من قدرتنا على السداد، ومن أن أى قرض لن يكون حبلاً يلتف حول رقاب أجيال قادمة بكاملها!
ما أتمناه أن تكون الوزيرة قد اقتنعت بكلام الرئيس، وألا تعاود فتح الموضوع أمامه من جديد، بغرض إثنائه عما قاله، وأن تكون أمينة مع الرجل، ومع البلد، عند أى عرض آخر قادم، وأن تدرس تجربة الجزائر تحديداً، فى هذا الشأن، فهى تجربة موحية، كما أن فيها الكثير من الدروس لنا.
رفقاً بالرئيس، ثم بنا، يا أيها الذين تعرضون عليه، وتقترحون، فهو بشر، ويتأثر بما يسمع ويرى!