بقلم : سليمان جودة
أطلق الدكتور محمود المتينى، رئيس جامعة عين شمس، اسم الدكتور أحمد عكاشة على مركز الطب النفسى الذى يتبع الجامعة.. وهكذا أصبح اسم الدكتور عكاشة على ثلاث لافتات فى القاهرة: واحدة على مستشفاه الذى أقامه فى شرق القاهرة، وأخرى على الشارع الذى يقع فيه المستشفى، وثالثة على المركز المعروف فى عين شمس.. ونحن نمسك الخشب طبعاً!
ورغم حصول عكاشة على جوائز وأوسمة كثيرة من الخارج، ورغم أنه استقر سنوات على رأس الجمعية العالمية للطب النفسى، إلا أنه بدا أسعد الناس بوضع اسمه على المركز الطبى، ربما لأن ذلك جرى فى الجامعة التى درس فيها شابًا صغيرًا، وربما لأنها هى التى شهدت خطواته الأولى نحو التخصص فى فرع من الطب لم تكن أُسر كثيرة تتحمس لذهاب أبنائها إليه!
وكان قد روى فى سيرته الذاتية، التى صدرت مؤخراً، أن والدته تلقت تحذيراً ذات يوم من أستاذ له فى الجامعة، وقت أن كان طالباً يتجه إلى دراسة الطب النفسى والتخصص فيه.. كان الأستاذ يحذر الوالدة من اتجاه ابنها إلى التخصص فى الطب الذى «يُعالج المجانين».. أو شىء بهذا المعنى.. وكان ذلك خطأ فى خطأ طبعاً، فالمريض النفسى ليس مجنوناً بالتأكيد، وهو شأنه شأن أى مريض يتألم من أى مرض عضوى، والمرض النفسى له علاج يعود بعده المريض إنساناً طبيعياً لا يعانى من شىء!
وكان تحذير الوالدة من جانب الأستاذ الجامعى دليلاً على أن أشياء كثيرة خاطئة لاتزال راسخة فى ثقافتنا العامة، وأنها قد تكون موجودة لدى أساتذة فى الجامعة، بقدر ما تكون شائعة لدى عامة الناس، الذين لم يتلقوا تعليماً ولم يدخلوا مدرسة، وأنها فى حاجة إلى مقاومة حقيقية تتميز بالنَفَس الطويل وعدم اليأس!
وفى الفترة الأخيرة نذر الدكتور عكاشة جانباً من وقته لإزالة وصمة العار عن المريض النفسى، لعل المجتمع يتعامل مع مرضاه من هذا النوع بشكل طبيعى، فلا يهمشهم، ولا يبتعد عنهم، ولا يرفضهم، وإلا فإنهم يمكن أن يتحولوا إلى أشخاص غير طبيعيين بسبب نظرة المجتمع الظالمة، لا بسبب وطأة المرض النفسى الذى أصبح يجد علاجه ودواءه دون صعوبة!
ولكن يداً واحدة لا تصفق كما نعرف، ولو قضى الرجل مائة سنة يشرح ويفسر ويطارد الوصمة، فالأمر فى حاجة لمجتمع يتعلم ويتطور فى مجمله، والإعلام فى حاجة إلى أن يظل يخاطب هذا المجتمع فيما يعلمه ويطوره، سواء تعلق الأمر بهذه القضية أو بغيرها، بدلاً من أن يظل يعلمه أغانى المهرجانات!