توقيت القاهرة المحلي 20:07:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مع هؤلاء لا حاجة للسودان إلى أعداء

  مصر اليوم -

مع هؤلاء لا حاجة للسودان إلى أعداء

بقلم - سليمان جودة

كان في المقدمة من هذه التطورات أن عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، غادر مقر قيادة الجيش في العاصمة الخرطوم، واستقر من بعدها في مدينة بورتسودان في شرق البلاد، ثم بدأ في جولة خارجية انطلقت من مصر، وتواصلت إلى جنوب السودان، وإريتريا، وقطر، وتركيا، وأخيراً كان قد وصل إلى أوغندا.

والمشكلة ليست في الجولة في حد ذاتها طبعاً، ولكن المشكلة أن تجواله بين الدول الست توازى مع تصعيد غير مسبوق من جانب قوات «الدعم السريع»، التي تقاتل الجيش منذ 15 أبريل (نيسان) من هذه السنة، والتي يقودها محمد حمدان (حميدتي).

والتصعيد من جانبه أخذ مستويين: مستوى أول تمثل في الحديث عن الدعوة إلى نظام حكم فيدرالي في البلاد، وأيضاً إلى جيش جديد، وبغير أن يشرح ماذا بالضبط يقصد بما يتحدث عنه في الحالتين. وأما المستوى الثاني فكان هجوماً واسعاً من جانب قواته على مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم، وعلى مقرات حيوية أخرى في العاصمة وفي أمدرمان.

ومن الطبيعي أن الهجوم على مقر القيادة العامة بالذات مقلق للغاية، لأن الاستيلاء عليه قد يعني الاستيلاء على العاصمة، بكل ما في ذلك من المعاني والتداعيات والظلال.

وفي البداية كان الظن أن خروج البرهان من الخرطوم مرتبط بالرغبة في طمأنة السودانيين على قائد الجيش، وعلى الجيش بالتالي، وكان الظن كذلك أن قائد الجيش سرعان ما سوف يعود إلى مقر قيادته العامة، ولكن غيابه عن العاصمة طال أكثر من اللازم، وكانت فترة الغياب موزَّعةً بين البقاء في بورتسودان تارةً، والذهاب إلى محطة من وراء أخرى في الجولة الخارجية تارةً ثانيةً.

وفي هذه الأثناء وقع تصعيد أشد من الجانب الآخر، فأعلن قائد قوات «الدعم السريع» أنه سيشكّل حكومة في الخرطوم، إذا ما شكّل قائد الجيش حكومة لتصريف الأعمال في بورتسودان، وبدا الأمر والحال كذلك كأن هناك مَنْ يهيئ البلاد للتقسيم، الذي كان الحديث عنه يتردد على استحياء عند بداية الحرب، ثم مضى يقال في العلن وهي في شهرها السادس.

ومع أن ظهور البرهان يوم خروجه من الخرطوم كان ضرورة من بين ضرورات، ومع أن انتقاله من العاصمة إلى سواها من المدن وتجواله بين دول الجوار وغيرها، كان بمثابة ضرورة أخرى في قائمة الضرورات، فإن عودته إلى عاصمة البلاد كانت ولا تزال ضرورة أشد، لأن السيطرة على العاصمة في أي بلد، هي إعلان بالقبض على زمام البلد من أوله إلى آخره، حتى ولو كانت السيطرة غير متحققة عملياً على الأرض.

ولا أحد يعرف كيف حسبها قائد الجيش حين غادر الخرطوم، ولا كيف يحسبها حين يبقى خارجها كل هذه المدة متنقلاً بين بلاد مختلفة، ولكن ما نعرفه أن حسم هذا الصراع الدائر لا بد أن يكون داخل السودان، قبل أن يتم خارجه بالزيارات المتتالية، أو بالبقاء في إحدى مدن الشرق بعيداً عن العاصمة، فلا تزال للعاصمة رمزية لا تخفى أهميتها في كل الأحوال.

ولم يكن لقاء دول الجوار السبع الذي دعت إليه القاهرة في 13 يوليو (تموز)، أفضل حظاً من حظ لقاءات جدة التي توالت وتتابعت نظراً لفشل الجيش والدعم لمواصلة الحوار، وفي حالة جدة كان الرهان على أن تعلو مصالح السودان العليا ما عداها، وكانت القاهرة تراهن على الشيء نفسه، ولكن الرهان كان في الحالتين لا يصادف هوى لدى الذين لا يشغلهم إلا السعي إلى السلطة على جثة بلد بكامله.

وعندما كثفت قوات الدعم من هجومها في محيط القيادة العامة، ارتفعت أعمدة الدخان في فضاء المكان كما لم ترتفع من قبل على طول الأشهر الستة، وبدا أن تكثيفاً كهذا لم يكن ليحدث في حضور البرهان في العاصمة، وبدا كأن قوات الدعم تستعرض عضلاتها في غياب الرجل، وكانت المفارقة المؤلمة أن الخرطوم راحت تحترق على أيدي مَنْ يحملون الجنسية السودانية في بطاقات الهوية، لا على أيدي أعداء اقتحموها وأضرموا فيها النار.

السودان يبدو متروكاً لمصيره، ولا تزال «قوى الحرية والتغيير» غائبة عن التأثير رغم أنها كانت تملأ الخرطوم صخباً قبل الحرب، وقد كان الظن أن قربها من المكون العسكري قبل بدء القتال، سوف يجعلها قادرة على فعل شيء ينقذ البلد مما هو ذاهب إليه، ولا بد أن التاريخ سيحاسبها أكثر مما سوف يحاسب أي طرف آخر، لأن غيابها لا مبرر له كما أنه لا يزال يبحث عن تفسير.

تابع العالم أعمدة الدخان في سماء العاصمة، ولسان حاله يقول: إن السودان الذي يحرقه هؤلاء ليس في حاجة إلى أعداء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مع هؤلاء لا حاجة للسودان إلى أعداء مع هؤلاء لا حاجة للسودان إلى أعداء



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 09:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يفتح آفاقا جديدة في علاج سرطان البنكرياس

GMT 08:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:54 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أغنياء المدينة ومدارس الفقراء

GMT 09:59 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

GMT 10:29 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

شريف مدكور يُعلن إصابته بفيروس يُصيب المناعة

GMT 12:37 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

طبيب الأهلي يعلن جاهزية الثلاثي المصاب للمباريات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon