توقيت القاهرة المحلي 20:07:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مشاعر أيقظها الزلزال والإعصار

  مصر اليوم -

مشاعر أيقظها الزلزال والإعصار

بقلم - سليمان جودة

في الموروث الشعبي المصري، أن ثوراً يحمل كوكب الأرض على أحد قرنيه، وأنه يبدل بين القرنين من وقت إلى وقت إذا أراد أن يأخذ قسطاً من الراحة، وأنه إذا جاء لينقل الأرض من أحد القرنين إلى الآخر وقع زلزال!

كنا نسمع ذلك صغاراً وكنا نصدقه، وكنا نتخيل الثور ونتساءل عن مكانه الذي يختبئ فيه، وكنا نتصوره وقد بلغ به الإجهاد مبلغه من ثقل الأرض، فلا يجد بديلاً غير نقلها إلى القرن الثاني، وكنا إذا سمعنا عن زلزال وقع في أي مكان، بدا لنا الثور المختبئ في الخيال وهو ينقل حمولته فوق رأسه، ثم وهو يضيق بما يحمله ويكاد يلقيه بعيداً في فضاء الكون.

ولا بد من أن رجلاً مثل فاروق الباز سوف يضحك إذا سمع هذا التفسير، وسوف يتطلع إلى حجم الجهد الذي عاش يبذله لفهم التغيرات الجيولوجية في باطن الأرض، وسوف يتساءل عما إذا كان عليه من البداية أن يؤمن بنظرية الثور، فيريح نفسه ويريح سواه ممن يتابعون ما يفعل ويحاولون فهمه، فلا يستوعبون جيولوجيا الأرض إلا بشق الأنفس.

وعندما وقع زلزال مراكش الذي هز المغرب، وجدنا أنفسنا بين فرانك هوغربيتس، العالم الهولندي الذي أعلن أنه تنبأ بالزلزال، وبين العالم الإنجليزي بيل ماكغواير الذي راح يفسره ويشرح أسباب الدمار الواسع الذي رافقه حين وقع.

وقد ذاع صيت الهولندي هوغربيتس من أيام زلزال تركيا وسوريا أول السنة؛ لأنه يومها كان ينشط في الإشارة إلى أنه تنبأ به، وأنه يستطيع أن يقرأ كف الأرض، وأنه يفعل ذلك عن علم وعن دراسة، لا عن تخمين ولا عن ضرب الودع كما يفعل العرافون بين بسطاء الناس.

وكان هوغربيتس -ولا يزال- ينشط على منصة «إكس»، وكان -ولا يزال- يربط الزلازل بحركة الكواكب حول الأرض وتقاربها أو ابتعادها بعضها عن بعض، ولو أنك حاولت فهم شيء مما يقوله فسوف تجد صعوبة شديدة في ذلك، وسوف تجد أن فهم نظرية الثور أسهل بكثير طبعاً؛ خصوصاً أن حصيلتها إذا قارنتها بحصيلة حسابات العالم الهولندي هي حصيلة واحدة.

ففي النهاية الزلزال يقع، ولا فرق لدينا بين أن يكون قد وقع نتيجة الإرهاق الذي أصاب الثور في الموروث الشعبي، أو يكون قد فاجأ أهل الأرض بناءً على حسابات هوغربيتس المعقدة، فلم يثبت بعد أن حساباته نفعت في التقليل من خسائر زلزال، ولا في الحذر منه، ولا التحسب لما سوف يوقعه من ضحايا بالآلاف.

وإذا كان العالم الهولندي يتحدث دائماً عما قبل في شأن الزلزال، فإن ماكغواير يتحدث عما بعد في شأن الزلزال نفسه، ويقول إن زلزال مراكش يعادل في قوته 30 قنبلة ذرية من النوع الذي ضربت به الولايات المتحدة الأميركية مدينة هيروشيما اليابانية في الحرب العالمية الثانية.

ولا تعرف كيف حسبها بهذه الطريقة، ولكن بما أنه متخصص في الجيوفيزياء في جامعة كوليدج لندن، وبما أنه دارس لها في هذه الجامعة البريطانية، فلا بد من أن حديثه يستند إلى هذا كله، تماماً كما نستند نحن إلى مقياس ريختر الشهير، بغير أن نعرف تفاصيل هذا المقياس، وبغير أن ننشغل بدقائقه والطريقة التي يعمل بها.

ولكن الأهم في كلام العالم البريطاني أنه يتحدث عن أن زلزال مراكش لو وقع في كاليفورنيا مثلاً، وبالقوة نفسها، ما كانت خسائره ستكون واسعة كما هي في الحالة المراكشية، والسبب أن الزلازل في ظنه لا تقتل الناس، ولكن تقتلهم طريقة البناء والإنشاء.

وكلام الرجل صحيح من حيث الفكرة العامة، ولكن ما فاته في المقارنة أن خسائر مراكش لم تصل إلى ما وصلت إليه في البشر والحجر لأن طريقة البناء فيها لم تشأ أن تراعي احتمالات وقوع زلازل في المستقبل، ولكن لأن مراكش مدينة عتيقة في مبانيها، ولا تحتمل المباني من هذه النوعية هزة أرضية قوية، فضلاً عن أن تكون قوة الهزة 7 درجات بمقياس ريختر.

وعندما قام الاتحاد المغاربي ذات يوم أو كاد يقوم، كانت ليبيا هي جناحه الشرقي وكان المغرب جناحاً له في أقصى الغرب، ولم يكن الذين رسموا حدوده على الخريطة في هذا النطاق، يتوقعون أن يأتي عليه يوم يهاجم فيه جناح الشرق إعصار، ويضرب جناح الغرب زلزال.

ومن تصاريف القدر أن ضحايا الإعصار الليبي في شرق الاتحاد، متساوون تقريباً من حيث العدد مع ضحايا الزلزال المغربي في غرب الاتحاد، وكأن القصد هو الإشارة إلى أن مصير أبنائه هو مصير واحد.

وقع الزلزال والإعصار، فاستيقظت مشاعر التضامن في أرض العرب، ونسيت الجزائر خلافاتها مع المغرب، ففتحت مجالها الجوي وعرضت المساعدة، ولكن بقي أن تتأصل هذه المشاعر، فلا تنتظر حتى تقع كارثة لتنهض من نومها الطويل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مشاعر أيقظها الزلزال والإعصار مشاعر أيقظها الزلزال والإعصار



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 09:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يفتح آفاقا جديدة في علاج سرطان البنكرياس

GMT 08:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:54 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أغنياء المدينة ومدارس الفقراء

GMT 09:59 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

GMT 10:29 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

شريف مدكور يُعلن إصابته بفيروس يُصيب المناعة

GMT 12:37 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

طبيب الأهلي يعلن جاهزية الثلاثي المصاب للمباريات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon