بقلم : سليمان جودة
فى رسالة من السفير محمد الذويخ، سفير الكويت فى القاهرة، يقول إن ثلاث دول فى العالم تملك تجارب ناجحة فى تغيير ثقافة الناس تجاه السائح، وإن هذه الدول هى: إسبانيا.. تايلاند.. ثم كينيا!.
والسفير يدعونا بالتالى إلى أن ندرس تجارب الدول الثلاث، وأن نأخذها عنها، لأن رواج السياحة فى إسبانيا تحديداً، بالشكل الحاصل، وإلى حد أن يزورها كل عام عدد من السياح يزيد على عدد سكانها، ما كان ليحدث إلا لأنهم هناك عرفوا، ليس فقط كيف يجذبون السائح إلى الشواطئ والفنادق الإسبانية، وإنما لأنهم أدركوا نقطة أخرى فى غاية الأهمية!.
هذه النقطة هى أن السائح إذا جاء مرة فإنه يجب أن يجىء مرة ثانية، وثالثة، وعاشرة.. وإذا جاء مرةً واحدة، ثم لم يفكر فى المجىء من جديد، فليس أقل من أن يحرض آخرين فى بلده على أن يأتوا، بدلاً عنه، ليستمتعوا كما استمتع هو!.
والهدف أن يتحول كل سائح، حين يعود إلى بلده، إلى دعاية مجانية متحركة لمصر التى زارها وأعجبته، ولن يحدث هذا إذاً مادامت ثقافة الناس فى غالبيتهم على ما هى عليه.. إنها ثقافة تطارد السائح، وتجعل دعايته عنا، عندما يرجع إلى بلده، دعاية سلبية!.
والقصة أن علينا أن نبدأ من هنا، وليس من أى نقطة أخرى، وإلا فما معنى أن نعمل على كل الخطوات التالية، بما فيها القدرة على تسويق ما لدينا، فإذا نجح التسويق وجاء السائح فعلاً وجد ثقافة الناس عنه، وعن كل سائح، ثقافة طاردة؟!.
معناه أن كل جهد نبذله فى الترويج لبلدنا، سياحياً، وفى التسويق له، سوف يصطدم فى الآخر بما جعل أحد السياح يخرج من الفندق إلى الشارع، فى واحدة من المدن المصرية السياحية الكبيرة، وقد كتب على صدره بالخط العريض أنه لا يريد ركوب حنطور.. ولا تاكسى.. ولا شراء شىء من البازار!.
فكرة الناس هناك عنه، وعن كل سائح، هى التى ألجأته إلى مثل هذه الحيلة الساخرة المضحكة.. ورغم أنها لون من السخرية، وربما من الفكاهة، إلا أنها تُشخص مرضاً حقيقياً لدينا.. مرض التعامل من جانب الكثيرين منا مع السائح، على أساس أنه رجل ثرى، وأنه يملك الكثير من الفلوس، وأن الشطارة هى فى الاستيلاء على فلوسه، وإخراجها من جيبه بأى طريقة!.
هذه ثقافة موجودة، وشائعة، وسائدة، ولا سبيل إلى نصيب عادل لنا فى سوق السياحة العالمية.. نصيب يساوى إمكاناتنا السياحية الحقيقية الهائلة.. إلا بالتعامل مع هذه الثقافة فى اتجاه تغييرها تماماً!.
والدول الثلاث التى يشير إليها السفير الذويخ أدركت هذا بوضوح، وذهبت إليه من أقصر طريق.. وكان أقصر طريق هو طريق المدرسة.. ففيها يتعلم الصغير ما سوف يكبر عليه، ويظل يعمل به طول حياته!.
الدول الثلاث بدأت من المدرسة.. ويمكننا أن نأخذ عنها ماذا فعلت، وأن نضيف إلى المدرسة مؤسسات مُساعدة لها، من أول الجامع، إلى الكنيسة، إلى الإعلام، إلى البيت نفسه!.
وإذا كان عمر بن الخطاب قد طلب أن نُعلم أولادنا السباحة، والرماية، وركوب الخيل، فيمكننا أن نضيف السياحة إليها، دون أن نكون قد تجاوزنا فى حق الخليفة الراشد الثانى، فى شىء!.
نقلًا عن المصري اليوم القاهرية