توقيت القاهرة المحلي 16:48:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مباراة في الشطرنج تجري أمامنا

  مصر اليوم -

مباراة في الشطرنج تجري أمامنا

بقلم - سليمان جودة

تشعر وأنت تتابع موضوع إلحاق السويد عضواً في حلف شمال الأطلنطي، أنك أمام جولة في مباراة للشطرنج يلعبها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع أوروبا مرة، ومع الولايات المتحدة الأميركية مرة ثانية.

فكلما حركت دول الحلف حجراً على طاولة اللعبة، حرك إردوغان حجراً في المقابل، وكذلك يفعل مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وهي تطالبه بالموافقة على إلحاق السويد هذه الأيام، كما كان قد وافق على إلحاق فنلندا في الرابع من أبريل (نيسان) من هذه السنة.

وعندما التقى قادة «الناتو» في ليتوانيا في 11 و12 من هذا الشهر، كانت عضوية السويد قضية مطروحة بقوة، وكانت تخيم بظلالها على القاعة التي جمعت قادة الحلف في العاصمة الليتوانية فيلنيوس، وكان الرئيس التركي يعرف مقدماً أنه سيصادف القضية في طريقه هناك، وأن عليه أن يكون مستعداً للتعامل معها.

ويكاد يكون هو الوحيد من بين قادة «الناتو» الذي عارض عضوية فنلندا والسويد منذ البداية، فلا أحد يشاركه موقفه إلا العاصمة المجرية بودابست بالكاد، وحتى هذه الأخيرة لم تجد حرجاً في أن تقول إنها سوف تتبع موقف أنقرة في النهاية.

وما كادت قمة فيلنيوس تنعقد، حتى كانت عضوية السويد ترفرف في فضاء القاعة، ومن فضائها حطت على الطاولة، ولم يكن أمام إردوغان غير أن يشتبك معها. وقد بادر يقول إنه قرر إحالة الأمر إلى برلمان بلاده، ليرى فيه ما يحب، وأن ذلك لن يكون قبل أكتوبر (تشرين الأول) المقبل؛ لأن البرلمان لن ينعقد قبل هذا الموعد، حين يعود من إجازته البرلمانية.

وهكذا بدا أن الرجل يحرك حجراً على طاولة الشطرنج، وأنه في انتظار أن يحرك الطرف الآخر حجراً في المقابل، ولم يكن الحجر الذي يمسكه الطرف الآخر سوى عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. فلقد طال وقوف الأتراك على باب الاتحاد، وفي كل مرة ذهبوا يدقون فيها الباب، كان الأوروبيون يطلبون منهم أن ينتظروا. من قبل، كان إردوغان يبرر موقفه ضد عضوية السويد، بأنها تسمح لعناصر من حزب «العمال الكردستاني» بالإقامة على أرضها، وكان يقول إن هذه العناصر تناوئه وتناوئ بلاده، وكان يدعو الحكومة السويدية إلى اتخاذ موقف ضد هذه العناصر. ولكنه عندما أعلن إحالة أمر العضوية إلى البرلمان لم يتحدث عن عناصر الحزب، وإنما لمَّح إلى عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، وكأنه يقول: عضوية للسويد في الحلف في مقابل عضوية لتركيا في الاتحاد.

ومن قرار الإحالة إلى البرلمان نفهم أن حكاية عناصر حزب «العمال» لم تكن هي الأساس في موقفه، وأنها كانت مجرد ستار لشيء خلفها، وأن هذا الشيء ليس سوى عضوية الاتحاد التي سوف يشعر إردوغان بشيء كبير ينقصه، إذا غادر القصر ذات يوم ولم تتحقق له هذه العضوية التي تراوده كأنها حلم في اليقظة وفي المنام. وليس معروفاً إلى أي مدى يمكن أن تكون الاستجابة له من جانب دول الاتحاد، ولكن ما يعرفه ونراه أنه حرك قطعة أخرى فوق طاولة اللعبة، وأن هذه القطعة تقربه من باب العضوية، إذا لم تفتح له الباب كما يرجو ويراهن.

ولأن الضغط الأكبر عليه كان من إدارة بايدن، فإنه راح يحرك قطعة أخرى من قطع اللعبة نفسها معها، متمنياً لو أنها بادلته تحريك قطعة بقطعة. فهو يريد طائرات «إف 16» من واشنطن، وهو يقاتل في سبيل هذا الطلب من زمان، ولكن الإدارة الأميركية ترد عليه في كل مرة بما معناه: «خير إن شاء الله». وهو يجد في قضية العضوية السويدية فرصة يعيد فيها تذكير الأميركيين بمطلبه القديم، ويدعوهم إلى أن يضعوا ذلك في الاعتبار، وأن يكونوا جادين معه بقدر جديته في موضوع السويد.

والأميركيون لا مانع عندهم من أن يعطوه ما يتشوق إليه، ولكنهم لا يمنحون ما في أيديهم من طائرات أو غير طائرات لوجه الله، وإنما ينتظرون أن يجدوا منه ما يستحق في المقابل، فهل من الوارد أن يجدوا في موافقة البرلمان على العضوية السويدية هذا الذي يستحق في نظرهم؟

هذا هو السؤال الذي ينتظر الرئيس التركي إجابة عنه، ويخشى أن يبذل تقدماً في عضوية السويد من ناحيته، ثم تتلكأ العاصمة الأميركية في قضية الطائرات كالعادة، وتختلق الأعذار.

وهو لهذا السبب شديد الحذر في تحريك القطع على الطاولة، ولا يضع يده على قطعة إلا بعد طول تفكير، وإلا بعد أن يكون قد حسبها في دماغه، وإلا بعد أن يكون قد توقع ردة فعل الطرف الثاني الذي يشاركه اللعبة.

كانت السويد قد راحت تطرق باب «الناتو» بعد نشوب الحرب الروسية- الأوكرانية بأشهر معدودة على أصابع اليد الواحدة، وكانت فنلندا تشاركها طرق الباب، وقد مضى على بدء الحرب ما يقرب من عام ونصف عام، وعلى مدى هذه الفترة كانت مهارة إردوغان في اللعب بادية للعين، فكان يوافق على عضوية فنلندا، ثم يستبقي السويد ليواصل إبداء المهارة.

كلما تخيل أحد الطرفين أنه يحاصر الآخر في مرحلة من مراحل اللعبة السياسية التي نتابعها، اكتشف أن الطرف الثاني هو الذي يحاصره.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مباراة في الشطرنج تجري أمامنا مباراة في الشطرنج تجري أمامنا



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 10:20 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن
  مصر اليوم - فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن

GMT 11:22 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 09:15 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

أهم 3 نصائح لاختيار العباية في فصل الشتاء

GMT 02:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"الزراعة" تؤكد البلاد على وشك الاكتفاء الذاتي من الدواجن

GMT 13:41 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو جديد لـ"طفل المرور" يسخر من رجل شرطة آخر

GMT 02:57 2020 الإثنين ,06 إبريل / نيسان

رامى جمال يوجه رسالة لـ 2020

GMT 02:40 2020 السبت ,22 شباط / فبراير

المغني المصري رامي جمال يحرج زوجته على الملأ
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon